حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

رحيل مفاجئ

انتقل إلى رحمة الله منذ أيام راكان فاروق القصيبي، هذا هو اسمه الذي كان يعرف به، فهو سليل أسرة القصيبي الكريمة، ولكنه كان أيضًا عضوًا في أسرة أكبر عددًا، فالراحل كان «أخًا» لعدد غير محدود من الناس وصديقًا لعدد أكبر.
تألم لفقدانه المفاجئ والحزين معارفه الكثر، معبرين عن ألمهم وحزنهم العميق للرحيل المفاجئ والصادم للرجل الشاب. كان السؤال المشترك بين أصدقائه حينما يبدأ تعارفهم على بعض: هل تعرف راكان القصيبي؟ وكانت الإجابة دومًا تكون بابتسامة: ومن الذي لا يعرف راكان؟!
كان هناك اتفاق بين كل من عرفوه أن بين كل شخص وآخر راكان القصيبي كعنصر مشترك. رحل رجل اتفق على محبته كل من عرفه، وكل من أحبه سيفتقده. رحل مبكرًا فترك في قلوب محبيه حزنًا كبيرًا وألمًا عميقًا. كانت ملامحه مميزة، فقد كان ذا ابتسامة أخاذة ووجه بشوش. كان يقابل محبيه بضحكة مجلجلة، ويأخذهم دومًا بالأحضان، ولكن الصفة الأهم في وصف الراحل كان قلبه الكبير، الذي لم يعرف الغضب ولا الضغينة، بل كان يتسع للكل بلا استثناء. فلقد كان ابنًا بارًا وصديقًا وفيًا يرعى صلات الصداقة والرحم بشكل مميز، حتى بات مضربًا للأمثال في هذا الأمر. كان يسعى دومًا ليكون حمامة سلام وعنصر وفاق بين الأفراد المتخاصمين.
عادة ما تخصص كلمات الرثاء في الصحف لمن عرف عنه بأنه شخصية عامة، صحيح أن راكان القصيبي لم يتبوأ منصبًا رسميًا ليطلق عليه هذا الوصف تحديدًا، ولكنه كان حقيقة شخصية «عامة» لمحبيه ومعارفه. حالة الحزن الجماعي التي انصبت عليه لفقدانه المبكر هي شهادة إلهية من السماء عن مدى القبول العريض الذي ناله واستحقه في قلوب محبيه خلال حياته القصيرة والحافلة. تلقيت مثل غيري خبر رحيل راكان القصيبي بعد تدهور حالته الصحية بشكل مفاجئ، الذي جاء بعد عارض صحي غريب لم يمهله طويلاً، تلقيت الخبر بحزن عميق، ولكن كانت هناك ابتسامة مع تذكر مواقف الراحل وشخصيته، فلقد كانت هذه حال كل من تلقى الخبر؛ حزن عميق على خبر رحيله، ولكن هناك حالة غريبة من السكينة والرضا المرتبط مع ذكراه.
لقد جاء إلى هذه الدنيا ضيفًا خفيفًا، عبر في محطات معارفه كالنسيم، فترك في قلوب محبيه البصمة الجميلة ورحل سريعًا. على المستوى الشخصي سأفتقد صديقًا وفيًا كنت لا ألتقيه كثيرًا، ولكن كانت لقاءاتنا دومًا مليئة بالصفات الجميلة والصادقة، كان يبدأ لقاءه معي بصيحة مدوية: «هلا أبو علي!»، وفي آخر لقاء لي معه أصر على أن يكون واسطة خير بين طرفين لم يلتقيا منذ أمد بعيد بسبب جفاء قديم، واتفقنا أن نلتقي مجددًا، ولكن القدر كان أسرع.
في رحيل راكان القصيبي المفاجئ والحزين عبر ودروس كثيرة، فالحادثة تجسيد حقيقي وواقعي وعملي ومعاصر لفكرة أن الخير يبقى مهما كان، الراحل أجمع على محبته من عرفه ليس لمنصب ولا جاه ولا مال، ولكن بكم الحب الذي كان في قلبه ونشره بين محبيه.
قد تبدو المسألة بديهية لمن يفكر فيها، ولكنها غابت عن كثيرين مع شديد الأسف. هل تعرف راكان القصيبي؟ ومن لا يعرفه؟!
ستبقى ذكرى راكان القصيبي كالنسمة الجميلة الخفيفة في أذهان محبيه وقلوب معارفه، فهو لم يرغب في أكثر من ذلك. جاء إلى هذه الدنيا على عجالة وتركها على عجالة ولم يبقَ منه معنا سوى صورة لوجه ضاحك وبشوش وقلب لا يزال بنبضه الجميل باقيًا معنا. لا أجد في الختام أبلغ من كلمات خاصة بدعاء «سعيد» يليق برجل كان همه إسعاد غيره.
اللهم أسعده في جنتك وأسعده في دار الآخرة، اللهم كما أسعد من عرفه من عبيدك أسعده في جوارك.. رحم الله راكان القصيبي رحمة واسعة، وأنزل الصبر والسكينة على قلوب أهله ومحبيه وكل من عرفه، «إنا لله وإنا إليه راجعون».