محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

قراراتنا وعقدة الطفولة!

عندما نختار لطفلنا، ماذا يأكل، وماذا يشرب، وماذا يلبس، من دون منحه فرصة الاختيار بين بديلين، على الأقل، فنحن نسلب منه قوة اتخاذ القرارات. الكثير مما نشاهد من تداعيات حولنا، يعود إلى عدم صقل مهارة اتخاذ القرار منذ نعومة أظافرنا، التي تبين علميWا أنها يمكن اكتسابها.
كانت هذه القضية محور أبحاث كثيرة منها دراسة مهمة لباحث من جامعة أوريغون الأميركية الذي توصل إلى أن الفتيان والفتيات الذين أظهروا قرارات سلبية في سن 10 إلى 11 عامًا كانوا أكثر عرضة لمواجهة صعوبات مستقبلية في سلوكياتهم وقدراتهم الشخصية، الأمر الذي أودى بهم إلى ارتكاب سلوكيات خطيرة على صحتهم في سنوات المراهقة لاحقًا.
إن بعضًا من المعاناة التي تنتابنا عند اتخاذ قرار بسيط قد يعود إلى مشكلة سابقة في البيت أو المدرسة. فالمعلم عندما يطغى عليه أسلوب التلقين والأمر والنهي لن يدع مجالاً للطلبة للاختيار. وسيُخَرّج أجيالاً تنتظر التوجيه. لذا لفتني باحث الدكتوراه الكويتي مشعل الثويني الذي يعد في بريطانيا مشروعًا رائدًا لتحويل حصة التربية البدنية التقليدية بالعالم العربي إلى فرق تتنافس في بطولات داخل الفصل فيها تخطيط وتنظيم ورقابة من الطلبة ويشرف عليهم المعلم إشرافًا؛ وذلك ليعلمهم كيف يتخذون عشرات القرارات لتحقيق الفوز في أكثر من رياضة جماعية، بدلاً من أسلوب رمي المعلم للكرة ثم يقول: «العبوا يا أولاد»!
كما أن تجاهل أهمية القرارات في الصغر يؤدي إلى مضيعة للوقت في الكبر. وهذا ما انتبهت إليه مؤسسة «وزنات» الاستشارية في لبنان، حيث أنشأت منظمة تعلم الشباب كيف يختارون تخصصاتهم الجامعية، بعد اختبارات تظهر قدراتهم وميولهم، حتى لا يهدروا أعمارهم في تخصصات ثم وظائف يكرهونها. وليت تجربتها تعمم في عالمنا العربي.
لا شك أن القرارات إما ترفع من شأن الفرد والأمة أو تحط من قدرهم، ومع ذلك ما زال بيننا من يعتقد أن شهادته أو خبرته كافية لحسمه القرار بصورة انفرادية، ناسيًا أن بعض القرارات تحتاج إلى استشارة وليست كلها على غرار قفزة النجاة بالباراشوت، انفراديًا.
مؤلم حينما تجد أسرة واعية لا تعير اهتمامًا لغرس مهارة اتخاذ القرار في أطفالها. فهذا الطفل قد يقلب، لاحقًا، حياة مرؤوسيه بالعمل إلى جحيم لأنه نشأ في بيت أو فصل دراسي ديكتاتوري، فمن «شبّ على شيء شاب عليه».