فهد الذيابي
صحافي في جريدة «الشرق الأوسط»
TT

مسرحية مياه الخليج

هل تحولت واشنطن لحمل وديع أمام طهران ؟ اعتقال الحرس الثوري الايراني، لجنود البحرية الأميركية في الخليج العربي، بحجة اختراق المياه الاقليمية الايرانية، جاء قبيل الإذن باستعادة إيران 100 مليار دولار من أموالها المجمدة وفق الاتفاق النووي، وحين أطلق الحرس الثوري سراح الجنود قال إن حكومة أوباما بادرت بالاعتذار، فعفونا عن الجنود، وهو مانفته الادارة الأميركية لاحقا، هذا الحادث يثبت أن الادارة هي من تغيرت وليس الولايات المتحدة، إذا ما قارنا ردة الفعل الحالية، بما جرى في أبريل(نيسان) العام 1988، حيث أطلقت القوات الأميركية صاروخين على الفرقاطة الايرانية سهند لتغرقها في المياه الخليجية، كرد على مهاجمة ايران ناقلات النفط الكويتية التي كانت ترفع الأعلام الأميركية، فهل من المعقول أن أميركا التي كانت تنتصر لعلمها لم تعد تنتصر لجنودها؟
الحقيقة أن ما جرى مسرحية إيرانية على مياه الخليج لاستعراض العضلات الاقليمية، وهي محاولة للحضور مجددا بعد تلقي الايرانيين ضربة من نظرائهم السعوديين، الذين قطعوا علاقاتهم الدبلوماسية والتجارية، في إجراء حاسم بعد أن طفح الكيل كما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ونفد الصبر بعد الاعتداء على مبنى السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، وزاد ألم تلك الضربة بعد الإعلانات الاقليمية المتلاحقة بمقاطعة طهران تضامنا مع السعودية، من بينها دول السودان والبحرين وجيبوتي وجزر القمر، واستدعاء دول خليجية سفراءها هناك، إلى جانب خفض التمثيل الدبلوماسي؛ وهي مواقف تعيد ايران للمربع الأول في ظل نشوتها بالاتفاق النووي.
ولعل فيما أعلنته الكويت أخيرا، من إصدار حكم الاعدام على مدانين بالتخابر مع إيران وحزب الله، تأكيدا جديدا على أن الأفعال الايرانية في المنطقة تزداد سوءا يوما بعد يوم، دون رادع دولي، من سوريا إلى البحرين مرورا باليمن والكويت، ولعل الحكومة الكويتية حاولت دون جدوى طيلة السنوات الماضية الابقاء على "شعرة معاوية" بينها وبين جارتها، رغم احتفاظها بسجل دام منذ الثورة، حيث أسس الحرس الثوري خلايا تخريبية أضرت بالأمن الكويتي، ووصل بها الحال لتفجير موكب أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح دون أن يصاب بأذى، وامتدت أعمالها لاختطاف طائرة الجابرية على يد العميل الايراني الراحل عماد مغنية، وقتل اثنين من الطاقم ورمي جثة أحدهما من نافذة الطائرة.
اللاعبون المؤثرون في الميدان السياسي الدولي، يدركون تماما خسارة إيران واستنزافها في مواجهات إقليمية متعددة، لكن اختطافها الزورقين الأميركيين جعلها تأتي من باب مختلف، لتثبت أمام العالم، أن بإمكانها مواجهة القطب الأقوى في العالم، وأسر الجنود، لكن القراء الناضجين يعلمون أن الثعلب الايراني لا يمكن أن يلعب في ذلك الميدان سوى بضع دقائق، وسرعان ما يسدل الستار على عرضه المسرحي وسط تهكّم المتابعين، لأن مياه الخليج باختصار ليست دمشق أو بيروت أو صعدة.
في العام الأخير، فإن التعامل الجاد والصلابة الموضوعية مع سلوك ايران جعل سياستها ومقدرتها على المحك، ولا يبدو أن تعاطيها مع الوضع الاقليمي الجديد سيتغير، من باب خبرتها في مسلسل الحرب بالوكالة، عبر تغذية المليشيات ومدها بمؤن الخراب والدمار، وتوسيع الفجوة بين الطائفة الشيعية ومصلحة أوطانها الخليجية، في ظل وجود إشكال في نظرة بعض المنتمين لتلك الطائفة من طبقة المتنورين، أثناء تقييمهم للحالة الايرانية ووصفها بالايجابية في مقارعتها للغرب في سياق الندية وتصنيع السلاح واستقلال القرار، في تجاهل لانتشار الفقر في المجتمع الايراني، وتوجيه ثروته للأحزاب الارهابية والنظام الدكتاتوري في دمشق، كما لا يبدو أن للتنوير الذي تعيشه ايران علاقة مع حرمان ملايين الأحوازيين من حقوقهم الانسانية، ومنع أتباع المذهب السنّي في البلاد من بناء المساجد، في تباين واضح لتطبيق مبدأ المساواة مع نظرائهم الشيعة الذين أتاحت لهم الحكومة مباني الحسينيات، بل وأذنت أيضا ببناء الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية، وهي معايير غير عادلة في التعامل الديني.
لقد حان الوقت لأن يفيق البعض من أضغاث حلمه بالجنة الايرانية، ويصححوا أفكارهم التائهة منذ خدعة دعاية الثورة، والتجربة ماثلة أمام العقلاء ليتمعنوا كيف انهارت آمال الشعب العراقي بعد التدخل الايراني خلال سنوات معدودة بعد سقوط نظام صدام حسين، وكيف كسدت تجارة الفكر والثقافة في شوارع بغداد التي غمرتها روائح متفجرات داعش والميليشيلت المسلحة.