د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

بين التقليدية والحداثة

نقلت صحيفة «الشرق الأوسط» يوم الخميس الموافق 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي قال فيها: «لن يكون هناك سلام أو انسحاب لإسرائيل من الضفة الغربية خلال السنوات العشرين المقبلة، وما سيحدث في السنوات العشرين المقبلة يعتمد على الصراع الدائر في المنطقة بين آيديولوجيات القرون الوسطى وآيديولوجيات الحداثة، لكن في نهاية المطاف أعتقد أن الإسلام السياسي سيهزم والحداثة ستفوز».
لستُ من المعجبين برئيس الوزراء الصهيوني، لكن تصريحاته عن المنطقة وما يدور فيها من خلافات دينية ومذهبية، ما هي إلا من مخلفات القرون الوسطى.. لأن الدول الأوروبية دخلت في صراع وحروب دينية بشعة بين الكاثوليك والبروتستانت استمرت إلى ما يناهز 400 سنة.. ولم تتوقف إلا بعد بروز مفكري حركة التنوير الأوروبية والمصلحين الدينيين الذين بادروا بعزل الدين عن السياسة.. وبعدها بدأت المطالبات بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني الذي مهد لاستقرار أوروبا، وبدأت حركة التصنيع والتنمية الأوروبية.
السؤال هل يمكن للعرب دخول عصر الحداثة متسلحين بالعلم والثقافة وروح التسامح وتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية؟ نقولها بصراحة متناهية إن العرب لا يستطيعون دخول عصر الحداثة؛ لأنها عملية تاريخية معقدة ومتغيرة ومتجددة وشديدة التعقيد.. لا يتسع المجال هنا لاستعراض تاريخ بداية الحداثة في أوروبا من حيث الصراع بين الماضي الوثني والحاضر الديني المسيحي في التاريخ الروماني..
دخل عالمنا الحديث عصر الحداثة باكتشاف أميركا سنة 1492، وبدأ بعدها ظهور الطباعة والاكتشافات العلمية الكبيرة في مجال الفلك، وظهور النزعة الإنسانية التي مجدت قيم الفرد وأعلت من حرية الإنسان، وبعدها دخل العالم الحر مرحلة الإصلاح الديني.
دول العالم الثالث، الذي نحن جزء منه، تواجه عدة أزمات في أنظمته السياسية قبل تحقيق التنمية المنشودة؛ مثل أزمة الهوية والشرعية والمشاركة، وأزمة التوزيع والاندماج، وأزمة التنظيم، وأزمة استغلال الدين لأهداف سياسية.
تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي واضح، حيث يعتقد بأن العرب لن يستطيعوا دخول عصر الحداثة؛ لأن هنالك تيارات قوية تدافع عن القيم الموروثة ولن يقبلوا بالتخلي عنها، ويدعون إلى استمرارها وبقائها..
كيف يمكن الوصول إلى الحداثة والتقدم والرقي.. سؤال كان مطروحًا من القرن التاسع عشر من قبل رواد النهضة العربية الإسلامية، ولا يزال السؤال مطروحًا في هذا القرن وربما القرون القادمة ما لم تقم في العالم العربي حركة تنوير عربية تدعو إلى تحكيم العقل ونقد الذات وإصلاحها، ورد الاعتبار للفرد العربي واحترام حقوقه الإنسانية، والتفكير في المستقبل أكثر من الماضي.
من يتابع الأحداث في منطقتنا باستمرار حالة الحروب الداخلية والطائفية والدينية وتزايد الحشد المحلي والإقليمي والدولي لمحاربة إرهاب «داعش»، يخرج بانطباع بأن المنطقة العربية ستدخل في دوامة العنف والعنف المضاد لسنوات طويلة قد تفوق الـ20 عامًا التي حددها رئيس الوزراء الإسرائيلي.