حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

تحليل نفسي!

ليس مدهشًا ولا غريبًا ولا مستهجنًا حجم الذعر والتفظيع الذي نراه من الجماعات الإرهابية من أمثال «داعش» و«القاعدة» وحزب الله، فهو نتاج طبيعي للقيح والقبح الذي انفجر في المجتمعات العربية بصورة مذهلة، براكين من الغضب وأنهار من سوء الأخلاق وسيول من اللا احترام وفيضانات من الوقاحة باتت تحاصر المجتمع من صغاره وكباره ونسائه ورجاله بلا هوادة ولا تفريق ولا تمييز ولا رحمة. رسائل يتم تناقلها بكل سهولة وأريحية، وفيها حجم من التشهير والقذف والإساءة ما تشيب منه رؤوس القضاة ويهز المحاكم المحترمة هزًا. وعادة ما تكون المادة المنقولة مربوطة بحملة تشارك بها غيرك لأجل النصيحة، وغير ذلك من الديباجات المضللة والشاذة والغريبة جدا، وكل ذلك تحت مظلة الدفاع عن الوطن وعن الدين.
حتى البرامج الإعلامية لم تسلم ولم تنجُ مما يحصل، فالسباب والشتائم واللعن والتعارك بالأيدي وانسحاب الضيوف أصبح أقرب من أفلام الخلاعة والوقاحة منها إلى برامج حوارية هادفة، ولكن يتبين لنا بعد مضي الوقت أن كل ذلك هو مرآة لشوارعنا وحالنا، فها هي القمامة في كل مكان والسيول تدمر البنية التحية، وحوادث المرور تكسر الأرقام القياسية.. كل ذلك وغيره كان من الطبيعي أن ينعكس على «حال» التفكير والتصرف العام، فرأينا نسب تعاطي المخدرات غير مسبوقة، وحالة الطلاق والعنف الأسري تصل لمراحل مرعبة، والتعصب الطائفي والديني والمذهبي والعنصري والمناطقي يكاد يعصف بالسوية الاجتماعية ويدمر السلم الأهلي الهش.
إننا كمجتمعات عربية أبدعنا وتخصصنا وتميزنا بل وتفوقنا بالاستعانة بالغير ليقوم بأعمالنا، سواء أكانت في مهام كبيرة أو صغيرة كالعمل المنزلي، وانطلاقًا من هذا المبدأ ومن هذه الثقافة ومن هذا الفكر سلمنا المشكلة لـ«غيرنا» واعتقدنا وآمنا وروجنا وعمقنا نظرية المؤامرة، وأصبحوا «هم» وحدهم المسؤولين عن كل ما «نحن» فيه من كل المشكلات والمصاعب والتحديات والعلل.
واقع الأمر أن الحالة العامة لم تعد تستوجب تحليلاً سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا، ولكن تقتضي في المقام الأول تحليلاً نفسيًا عميقًا ودقيقًا يخرجنا من حال الإنكار العظيم ومواجهة ما فيه من مشكلات عظيمة. مريحة جدا فكرة «رمي» المشكلة على غيرنا، وتوجيه أصابع الاتهام بأدلة عاطفية وأحاجٍ وأساطير جدلية، وتبقى النتيجة أن الحال لا يتغير ويزداد سوءًا، ولعل ما يحدث حولنا هو أكبر دليل على ذلك.
المقولة الأشهر لا تزال قائمة كما قيلت من مائة عام ذات يوم: «رأيت إسلاما بلا مسلمين وعدت لأرى مسلمين بلا إسلام».