طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

إرهاب باريس.. الفرحون اثنان!

بعد وقوع جريمة الإرهاب البشعة في العاصمة الفرنسية باريس، التي راح ضحيتها مائة وتسعة وعشرون قتيلاً، وقرابة ثلاثمائة جريح، كان الفرحون بهذه الجريمة اثنين: «داعش»، وبشار الأسد نفسه، وليس أحد المحسوبين عليه.
«داعش» بدوره تبنى العملية الإرهابية، وأطلق لها وسمًا أو «هاشتاغ» في «تويتر»، وأصدر بيانًا يفاخر بها، بينما قال بشار الأسد إن عملية باريس الإرهابية هي نتيجة السياسات الفرنسية الخارجية الخاطئة. وكان، أي الأسد، الوحيد الذي برر الجريمة الإرهابية، بدلاً من إدانتها، مثل باقي المجتمع الدولي. واليوم يبدو الأسد مكررًا نفس حماقة نظام صدام حسين بعد أحداث سبتمبر (أيلول) الإرهابية في أميركا عام 2001، حيث لم يستطع إخفاء فرحته التي كلفته حكمه، وحياته، وحياة أبنائه. ولذا فإنه لا غرابة أن يكون أبرز الفرحين بجريمة باريس الإرهابية اثنين، «داعش» والأسد، ولا فرق بينهما، فـ«داعش» تنظيم بربري إرهابي، والأسد قتل إلى الآن قرابة ربع مليون سوري، وشرد الملايين بإرهابه وجرائمه.
وهذا يقول لنا، وللمجتمع الدولي، إنه لا سلام في المنطقة، ولا في دول البحر المتوسط، ولا في المجتمع الدولي، بوجود «داعش» والأسد، وهما وجهان لعملة واحدة، بل إن العالم لم يسمع بـ«داعش» إلا بعد الثورة السورية بعامين، وبعد أن أطلق الأسد، ومثله نوري المالكي في العراق، قيادات «داعش» الحالية من السجون! ولذلك فإنه لا سلام ولا استقرار، ما دام هناك بشار الأسد وتنظيم داعش. ولا يمكن القضاء على أحدهما قبل الآخر، إذ إنه لا أحد يملك ترف المقارنة ولا الاختيار، والأصل هو أن يسعى عقلاء العالم، ودعاة السلم والسلام، والحريصون على حفظ السلم الدولي، إلى اجتثاث الأسد و«داعش»، وفي نفس الوقت. وهذا أمر يتطلب ضغوطًا سياسية حقيقية وجادة، وليس تحركات دبلوماسية تجميلية، كما يتطلب جهدًا عسكريًا دوليًا حقيقيًا على الأرض، وليس عبر عمليات جوية. وبالنسبة إلى الغارقين في الوهم فلا بد أن يفيقوا ويتعقلوا، حيث تم التحذير من قبل بأن آلة القتل الأسدية ستشعل جذوة الطائفية المقيتة في المنطقة، ولم يصدق كثر هذا الأمر، وهو ما حدث. وقيل إن جرائم وآلة القتل الأسدية ستحرق المنطقة، وقالها الأسد نفسه مهددا، ولم يصدق كثر أيضا. وقيل إن حريق سوريا لن تطفئه مياه المتوسط، وسيصل إلى كل أوروبا، ولم يصدق كثر ذلك. فما الذي تبقى إذن ليفيق المجتمع الدولي ويدرك أنه لا استقرار ولا سلام بوجود الأسد و«داعش»؟
خلاصة القول هي أن للشر اليوم رأسين، ويطلان من سوريا تحديدًا، وهما الأسد و«داعش»، ومن يُرِد نزع فتيل الانفجار الإرهابي الكبير الذي يهدد الجميع، فإن عليه أن يبدأ بقطع رأسي النظام الأسدي و«داعش»، وعدا عن ذلك فإنه العبث بعينه، والقادم أسوأ.

[email protected]