د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

كيف نتمكّن من تحسين صورتنا؟

تتعرّض دول الخليج العربية للتشويه والهجوم شبه اليومي من قبل وسائل الإعلام الغربية أو وسائل الاتصال الجماهيرية حول العديد من القضايا الدولية مثل الإرهاب، واستمرار الحروب الأهلية والطائفية في العالم العربي، وتدفّق اللاجئين العرب على الدول الأوروبية، وأحداث مكة المكرمة المؤسفة، واستمرار حرب اليمن.. كل هذه القضايا يمكن الرد عليها وتوضيحها بالعقل والمنطق، وإن كنا نتحمّل جزءًا من المسؤولية عن تردّي الأوضاع في العالم العربي، والأمر الذي نتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية فيه هو نشر الصحف المحلية، ومنها جريدة «الحياة» خبر قرار إندونيسيا إعادة من تبقّى من عمالتها المنزلية الموجودة في 21 دولة من ضمنها دول الخليج العربية مثل السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين وعمان والأردن ولبنان ومصر لأسباب أوضحتها الحكومة الإندونيسية، والتي أكدت فيها غياب معايير وقواعد تنظيم العمالة المنزلية، وخصوصًا المتعلقة بالحقوق المادية والمعنوية.
السؤال هو: من المسؤول عن تشويه سمعتنا في الخارج؟ وخصوصًا أن هنالك مراقبة من جمعيات حقوق الإنسان العالمية لكل ما يحدث من تجاوزات غير إنسانية في بلادنا - تقارير وزارة الخارجية الأميركية التي تُنشر سنويًا وتدين فيها بعض دول الخليج لسوء معاملة العمالة الأجنبية وتطالب فيها بتحسين أوضاع المقيمين لدينا، لا تجد آذانًا صاغية تستجيب لكل الإنذارات الإنسانية، ومن المفارقات الغريبة في الخليج اعتمادنا شبه المفرط على العمالة الأجنبية بشكل عام، وعلى العمالة المنزلية بشكل خاص، إذ لا يوجد بيت من بيوت المجتمع الخليجي يخلو من وجود خادمة أو سائق أو طاهٍ للطعام. وكل هؤلاء أناس بسطاء وأميون يبحثون عن لقمة العيش والحياة الكريمة.. ويتم استخدام معظم العمالة المنزلية من دول جنوب شرقي آسيا وشرق أفريقيا، حيث تفرض عليهم ظروفهم الاقتصادية المادية بقبول رواتب متدنية دون وجود أي ضمانات قانونية لهم.
هؤلاء الخدم، رغم تدني مستواهم التعليمي، تعتمد أسر خليجية عليهم اعتمادًا شبه كلي في تنظيف وشراء حاجات الأسرة من مأكل ومشرب، والأهم من كل ذلك تربية الأطفال والعناية بهم وتغذيتهم، مما يدل على تنازل تلك الأسر الخليجية عن تربية الأولاد والعناية بهم. هذا الوضع غير الطبيعي أثار الكثير من المشكلات الاجتماعية والثقافية والنفسية بسبب تعلق الأطفال بمربياتهم. إذن لماذا تنشر الصحف المحلية والعربية والأجنبية أخبارًا وقصصًا متعددة عن سوء معاملة الخدم والانتهاكات الجسدية والنفسية والجنسية ضدهم بالإضافة إلى عدم دفع رواتبهم أو التأخير في دفعها؟ بعض الأسر يتفننون في إيذاء خدمهم فلا يسمحون لهم بالإجازة الأسبوعية كيوم للراحة، على الرغم من حقيقة أن هؤلاء الخدم يعملون لساعات طويلة يوميًا.
هذا الوضع دفع بعض السفارات الآسيوية إلى إصدار تقارير عن أوضاع عمالتهم في الخليج والطلب من حكوماتهم بعدم تجديد عقود العمل حتى تتحسن أوضاعهم ويتم وضع تشريعات وطنية تحسّن من أوضاع العمالة المنزلية وتحمي حقوقهم.
السؤال مرة أخرى: لماذا تتعمّد معظم الأسر الخليجية معاملة الخدم معاملة سيئة؟ وما أسباب هذه الظاهرة غير الإنسانية؟ علما بأن أهل الخليج قبل اكتشاف النفط كانوا يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على تجارتهم مع الدول الآسيوية ودول شرق أفريقيا، وقد أقام تجار الخليج في هذه البلدان وكانوا يعاملون معاملة ممتازة.. إذن ما الذي تغيّر؟ وخصوصًا أن النفط مضى على اكتشافه أكثر من 80 عامًا، والتعليم مضى عليه في بعض دول الخليج أكثر من قرن ويفترض أن مجتمعاتنا قد وصلت إلى نسبة معقولة من التحضر والرقي واحترام حقوق الإنسان، وخصوصًا أن الدين الحنيف يوصي بحسن معاملة العمال ودفع أجورهم قبل أن يجفّ عرقهم.
من الأسباب التي دفعت إلى تجرّدنا من أبسط المفاهيم الإنسانية في معاملتنا مع الآخرين سوء التنشئة الاجتماعية، فالدولة النفطية الريعية جعلت المواطنين يعتمدون على الدولة في كل شيء، وقد سهّلت الدول الخليجية لمواطنيها استقدام العمالة المنزلية بأعداد كبيرة جدًا حتى أصبحت الأسرة التي تتكوّن من الأب وزوجته ولديهما طفل أو طفلان يحقّ لها جلب ثلاثة خدم أو أكثر.
التخلف الحضاري والثروة النفطية المفاجئة جعلت البعض منا لا يعي بأن الخدم بشر مثلهم لهم حقوق إنسانية وشرعية وعليهم الالتزام بها.
الوضع يتطلب وقفة جادة من مجتمعاتنا الخليجية.. فالسلوكيات السيئة من بعض شبابنا في الخليج بدأت تحرجنا أمام الدول الغربية المتحضرة.. مطلوب منا اليوم إعادة النظر في مناهجنا المدرسية لمعرفة ماذا تعلّم أطفالنا؟ هل علّمناهم السلوك المعتدل الذي يتطلب احترام الآخر لكونه من البشر قبل النظر إلى جنسيته أو مذهبه أو دينه أو بلده؟ ماذا عن دور أئمة المساجد؟ ما نصائحهم في حسن معاملة الآخرين من البشر وهي من صميم الدين الإسلامي الحنيف ومن أهم أسسه الإنسانية؟!
وأخيرًا، ما دور الأسرة والمجتمع في تربية أولادنا التربية الإنسانية السليمة التي كان يعرفها عرب الجزيرة قبل اكتشاف النفط، وهي المعاملة الحسنة لضيوف بلداننا من العمالة البسيطة.