نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

هم يوفرون الذخيرة.. ونحن نطلقها في الهواء

بعد تكرار عمليات القتل حرقًا، اشتعلت إسرائيل بجدل صاخب افتتحه رئيس الدولة روفين يفلين، بالقول.. «إن شعب إسرائيل فقد إنسانيته».
ولأن كل شيء في إسرائيل قابل للاستثمار، فقد شارك نتنياهو في حفلة اللطم على القيم الضائعة والإنسانية المفقودة، معتمدًا على ضعف الذاكرة المكتظة بوقائع دامغة، تحمله مسؤولية تطور أعمال المتشددين الإسرائيليين من اقتلاع شجرة زيتون عربية إلى القتل الصريح حرقًا وبوسائل أخرى.. أليس هو من استنفر جيش المستوطنين الأقوى فاعلية من جيش «الدفاع» لمواجهة العرب الذين يصوتون ضده، فكان أن فاز برئاسة الحكومة بترجيح من خرج من صفوفهم حارق الطفل علي دوابشة.
لا فائدة من انتقاد نتنياهو، وجمع القرائن الدامغة على رعاية حكومته للتطرف والتشدد.
ما يقوله ويفعله الإسرائيليون من قبيل التمويه أو المناورة أو احتواء الموقف ليس جديدًا بالنسبة لي ولا يوجد فيه ما يلفت النظر أو ما يبنى عليه كتغير أو تطور في المواقف، فهذه هي إسرائيل صاحبة المدرسة السياسية والإعلامية المثيرة والفعالة. إنني ومثل كثيرين غيري شعرت بإحباط شديد من نمطية رد الفعل الفلسطيني وانحصاره في زاوية اللطم في بيت العزاء، مع بعض خطب نارية يلقيها قادة الفصائل وما إن ينفض السرادق، حتى نعد أنفسنا لاستقبال ضحية جديدة وخطب قديمة.
أنا لا أدعو إلى حرق رضيع يهودي ولا حتى غير رضيع، ففي وعي شعبي المكافح من أجل الحرية قيم تستحق الحفاظ عليها والالتزام بها، خصوصًا حين يقول رئيس الدولة العبرية.. إن شعب إسرائيل فقد إنسانيته.
إلا أنني أدعو إلى توظيف أكثر جدوى من خطب بيت العزاء الفارغة من المضمون، وعديمة المصداقية في الواقع، بأن نفتح معركة إنسانية حضارية واعية على مستوى العالم كله، أساسها جملة مفيدة شديدة الإقناع تقول بكل لغات العالم إن «الاحتلال الوحيد الباقي في القرن الواحد والعشرين هو المفاعل غزير الإنتاج ليس فقط لجرائم حرق الرضع، واقتلاع أشجار الزيتون والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين لحل أزمة السكن في إسرائيل، بل لما هو أعمق وأخطر تأثيرا من كل هذه الظواهر، إنه إلغاء شعب من الخريطة ووقف نموه، ومصادرة ثقافته، وإهانة آدميته كل يوم على مئات حواجز الإذلال وعبر مداهمة زوار الفجر للبيوت النائمة لمجرد الاشتباه».
فماذا فعلنا لننقل هذه الصورة للعالم، وإلى كم لغة ترجمنا ما يقوله الإسرائيليون عن احتلالهم لشعب يعد بالملايين على أرضه وضعفهم مرتين هائمين على وجوههم في جهات الأرض الأربع؟
لن نرد على الحرق بالحرق، فالعالم لن يستمع لنا، وقد يساوي الضحية بالجاني، إلا أننا وهذا ما نحن مقصرون به تمامًا لم نفعل وأغلب الظن لن نفعل ما يتعين علينا فعله ونحن الموجودون في كل أنحاء العالم ولدينا من الإمكانيات ما يجعل حرق الرضيع مدخلاً لتجنيد أوسع قوى على وجه الأرض ضد استمرار الاحتلال وليس فقط ضد الجرائم المتسلسلة التي يدعو العالم حين وقوعها وبشكل روتيني إلى ضبط النفس، ومعاقبة الفاعلين دون ذكر على أي قانون يعاقبون وهل الاحتلال فوق العقاب؟
نمطية المواجهة لا تقتصر على تظاهرات بيت العزاء، وخطب القادة النارية دون مضمون ومصداقية بل هي كذلك في اللجوء «بيروقراطيًا» إلى المحافل الدولية التي تخطى لجوؤنا إليها عامه السبعين، ولم يسجل عام واحد اختلافا عن العام الذي سبقه في الجدوى والفاعلية.
إن إسرائيل تضع كل يوم سلاحًا جديدًا في يدنا، وتوفر لنا أرصدة ثمينة تصلح لإدامة معركة إنسانية حضارية أكثر فاعلية من كل المعارك الأخرى، ولقد أكثرت إسرائيل الرسمية وجيشها الاحتياطي الفعال (المستوطنون والمتشددون) من تزويدنا بالذخيرة إلا أننا برعنا في تبديدها أو إطلاقها في الهواء.