تشيكا أوده
TT

مواجهة مع بوكو حرام عن كثب

خلال زيارتي الثانية إلى تشيبوك التي تقع في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا، نمت وأنا أضع سكينا كبيرا بين ظهر السرير والمرآة متسائلا ما إذا كانت البقع المائلة للحمرة الموجودة على النصل صدأ أم دما. وعبر الردهة رأيت بابًا خشبيًا ألواحه مكسورة؛ وعندما سألت صديقي عن هذا الأمر، قال: إن بعض أفراد جماعة بوكو حرام كسروا الباب منذ بضعة أشهر في محاولة للهجوم على صاحب المنزل وهو أحد أصدقائه. وقال صديقي، وهو أحد سكان تشيبوك، ومقاتل يقظ يحارب مسلحي بوكو حرام، إن صاحب المنزل لم يعد ينام هنا، لكنه دعاني إلى البقاء كما لو أنني في منزلي.
عدت إلى تشيبوك، التي أصبحت رمزًا لما تقوم به جماعة بوكو حرام من اختطاف للفتيات، من أجل متابعة سير الانتخابات الرئاسية في هذا البلد خلال شهر مارس (آذار). وبات لبلدة تشيبوك، شهرة عالمية خلال أبريل (نيسان) 2014 عندما اختطف مسلحو بوكو حرام 276 طالبة من مدرسة ثانوية؛ ولم يتم العثور بعد على أكثر من 200 طالبة. وبينما كنت أتجول في تشيبوك يوم الانتخابات، أخبرني أكثر الناس أنهم منحوا أصواتهم إلى محمد بخاري، اللواء المتقاعد في الجيش، على أساس وعده بمقاتلة بوكو حرام.
وفي أول زيارة لي إلى تشيبوك، بعد بضعة أسابيع من عملية الاختطاف الكبيرة، لم أر أي جنود. الأمن في تشيبوك هذه المرة أفضل؛ فقد سمح الجنود المتمركزون هناك لي ولصديقي بالمغادرة يوم الأحد بعد يوم الانتخابات. وعدت إلى أبوجا، لكننا كنا مع بعض المسؤولين الحكوميين.
وعند مغادرتنا أظلمت السماء فجأة، وأطفأ صديقي أضواء السيارة، وقال: «لا نريد أن نجذب انتباه أحد».
أخيرا وصلنا إلى مدينة دامبوا، التي تقع على بعد 20 ميلا شمال تشيبوك، والتي كانت يوما ما ملاذًا لبوكو حرام. وأخبرنا الجنود هناك أنه لا يمكن لنا الاستمرار، فقد كان الطريق خطيرًا جدا؛ فقبل ساعات كان هناك تبادل لإطلاق النار مع مجموعة من مقاتلي بوكو حرام وأنه تم تفكيك نقطة تفتيش أقامها المسلحون. لذا نمنا داخل السيارة على جانب الطريق في دامبوا. وعندما استيقظت كان شعاع الفجر قد أضاء المكان الذي كان سوقًا يعجّ بالأكشاك وقطع السيارات المتفحمة. وبعد 30 دقيقة من مغادرة دامبوا وصلنا إلى قرية مهجورة تسمى كوبوا وتعرف بأنها منفذ لمقاتلي بوكو حرام في تحركهم من وإلى معسكراتهم التي تقع في غابة قريبة. ورأيت جثة في كوبوا. وكان من الصعب تمييز لون قميص الرجل عن لون الدم الذي كان ينزف منه. وكان نظري لا يزال مثبتا عليه عندما سمعت دوي الانفجار الأول. نظرت إلى صديقي وشاهدت أصابعه وهي تمسك بعجلة القيادة بقوة، وحاجباه يقتربان من بعضهما، زامًا شفتيه. وكانت بندقية الصيد الخاصة به على ركبتيه. فهم كلانا أن في إيقاف السيارة لاستخدام البندقية هلاكنا. ووقف ثلاثة من مقاتلي بوكو حرام يرتدون ملابس عادية، ويلفون رؤوسهم بأوشحة باللونين الأسود والأبيض على الجانب الذي أقف عليه من الطريق، وكانوا يحملون سلاح «إيه كي - 47». وكان هناك اثنان آخران يرتديان ملابس مموهة ويحملان قذائف صاروخية على الجانب الذي يقف فيه صديقي. أخذت الرصاصات في الانطلاق بالقرب من السيارة، واصطدمت رائحة البارود الصادر عن البنادق بحواسي؛ واختبأ صديقي بالقرب من دواسة الوقود في أرض السيارة. وكانت السيارة تنطلق بالسرعة التي ينبض بها قلبي.
لم نعد نر رفاقنا الأربعة من المسؤولين الذين كانوا وراءنا. وأخذنا ننطلق سريعا إلى أن ابتعدنا عن مرمى النيران. وحوصر رفاقنا، وتهشم زجاج سيارتهم، وكانت آثار الرصاص في كل مكان، وتحطم جانب من السيارة تمامًا بفعل قذيفة صاروخية، لكن كانت المعجزة أن أحدا منهم لم يصب. وعندما وصلنا إلى نقطة تفتيش، أبلغنا الجنود بالحادث.
قربتني تغطيتي لأخبار بوكو حرام على مدى سنوات من الجماعة، لكنني لم أصل إلى هذه الدرجة من القرب قبل ذلك اليوم، ولا حتى في بلدة بوني يادي، التي ذبحت فيها الجماعة عددًا كبيرًا من الصبية في مدرسة ثانوية خلال العام الماضي. ولا تزال وجوه أفراد بوكو حرام لغزا بالنسبة إلى كثيرين، فهي تختبئ وراء قناع من الزهد والتقشف الديني والإحباط عصي على النفاد، لكن يأمل سكان الشمال الشرقي أن يتمتع الرئيس الجديد بالإرادة السياسية للتعامل مع حركة التمرد. وقال بخاري خلال حفل تنصيبه رئيسا في مايو (أيار): «بوكو حرام جماعة بلا عقل ولا إله، وبعيدة كل البعد عن الإسلام الذي يعرفه المرء». ومنحته هويته كمسلم من شمال نيجيريا صلاحية الحديث عن المسألة من موضع قوة.
يبدو أن حجم العنف أكبر من استيعاب الناس هنا. وعندما أتحدث مع أشخاص من الجنوب، ألمس أحيانا إيمانهم بفكرة أنهم أبعد ما يكون عن أيدي بوكو حرام، وأن الجماعة لا تمثل خطرًا حقيقيًا بالنسبة إليهم لعدم قدرتها على اختراق الجنوب. مع ذلك يدرك بخاري على الأقل الخطر، ويعتزم وضع حد له. ويأمل من رأى منا بوكو حرام عن كثب أن ينجح في مسعاه.
* خدمة «نيويورك تايمز»