د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

نساء يأكلن المشيمة بعد الولادة.. تقليعة جديدة مثيرة للجدل

نساء يأكلن لحوم البشر والناس من حولهن يتقبلن ذلك! ليس هذا فحسب، بل إنهن يأكلن لحومهن ولا غبار على سلوكهن في مجتمعاتهن. هذا صحيح ويقع في مناطق مختلفة من العالم، وآخذ بالانتشار في العالم الغربي، إن صح التعبير، وخصوصًا بين فئات المتعلمين والمشاهير.
وما قد لا يعلمه البعض أن ثمة شعوبا لديها في موروثاتها الثقافية تقبل أن تتناول نساؤها المشيمة لغايات متنوعة، ويأكلنها بالفعل إما بعد ولادتهن أطفالهن وخروج المشيمة الخاصة بحملها، أو يتم توفير المشيمة للنساء كي يتناولنها كقطع مجففة تُباع في عبوات على رفوف متاجر بيع مستحضرات الطب الشعبي.
هذا الكلام قد يثير الغثيان للبعض، والاشمئزاز لآخرين، وقد يراه غيرهم صورة مقنّعة لأكل لحوم البشر، ولكن الحقيقة تظل أن ثمة شعوبا تراه سلوكًا صحيًا وفق موروثات طبها الشعبي وترى أن من المفيد للمرأة، ومن المفيد أيضا لطفلها الوليد أن يتناول شيئًا من تلك المشيمة واللافت للنظر في شأن تناول المرأة للمشيمة التي خرجت للتو من رحمها، أن هذا السلوك بدأ يثير الأوساط الطبية للبحث والدراسة والكتابة الطبية عنه في الأعداد الحديثة للمجلات الطبية العلمية بعد انتشار هذا السلوك.
تناول المشيمة يُسمى باللغة الإنجليزية Placentophagy، وهو بالأصل سلوك حيواني لبعض إناث فصائل الثدييات التي تأكل مشيمة ولادة صغارها لغايات لا يزال العلماء يبحثون في مبرراتها العلمية دون إثباتات موثقة، وهناك منهم من يرى أنها وسيلة لإخفاء آثار الولادة عن الحيوانات المفترسة الأخرى، ومنهم من يرى أن المشيمة تحتوي على كميات عالية من مواد بروستاغلاندين Prostaglandin التي تحفز انكماش الرحم بسرعة لتنظيف الرحم من بقايا الحمل وتقليل النزيف من الرحم، كما تحتوي المشيمة على كميات صغيرة من مواد الأوكسيتوسين Oxytocin التي تخفف من إجهاد الولادة وتزيد من إدرار الحليب.
وضمن عدد 4 يونيو (حزيران) الحالي من مجلة أرشيفات صحة المرأة العقلية Archives of Women›s Mental Health، وهي المجلة العلمية الصادرة عن مجمع أميركا الشمالية لطب النساء والتوليد النفسي NASPOG، نشر الباحثون من جامعة نورثويسترن في شيكاغو دراستهم الطبية حول تأثيرات اتباع سلوك تناول المرأة لمشيمة ولادتها. وعلقت الدكتورة سينثيا كويلي، المتخصصة في الطب النفسي والباحثة الرئيسية في الدراسة، بالقول: «لدينا قناعة بأن المرأة التي تختار سلوك تناول مشيمة ولادتها هي امرأة تحرص على ألا تتناول خلال حملها إلاّ ما هو مفيد وغير ضار للحمل، ومع هذا يتناولن المشيمة التي لا توجد أدلة علمية تدعم إثبات أي فائدة صحية من ذلك، بل على العكس قد يحمل هذا الأمر مخاطر غير معلومة لها بكافة تفاصيلها عليها وعلى وليدها الذي يرضع منها». وهو ما تُؤكده الدكتورة جيل رابن، رئيسة قسم الرعاية الخارجية في برامج صحة المرأة بنيويورك، بقولها: «ثمة مبالغة عالية جدًا في افتراض صحة الفوائد المزعومة لتناول المرأة للمشيمة، وصحيح أن ثمة من أنواع الحيوانات التي تفعل ذلك، ولكن ليس من الصواب أن يتبع البشر فعل السلوكيات التي تفعلها الحيوانات. والدراسة الحديثة هذه لم تتمكن من إيجاد أي دليل علمي، حتى لو كان واحدًا، يثبت علميًا أن المرأة ستجني أي فائدة من تناولها بالأكل مشيمة ولادتها. وأنا لا أنصح مطلقًا أيًا من النساء بهذا الفعل».
وخلال دراستهم، راجع الباحثون عشر دراسات سابقة تناولت هذا السلوك بالتحليل والبحث العلمي لتناول إما المشيمة النيئة أو المجففة أو المطبوخة أو المتوفرة على هيئة حبوب تحتوي خلاصتها، وذلك لجهة ادعاء البعض أن لها تأثيرات إيجابية على أحد العناصر الستة التالية، وهي: تقليل احتمالات الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، تخفيف الشعور بالألم ما بعد الولادة، زيادة نشاط المرأة ما بعد الولادة، تحفيز إدرار حليب الرضاعة، تحسين مستوى الترابط فيما بين الأم والطفل الوليد، تحسين مرونة جلد المرأة. وبالمقابل، لم يجد الباحثون دراسات تناولت بالبحث مخاطر مثل هذه السلوكيات غير البشرية والمستمدة من سلوكيات الحيوانات، والتي هي صورة نموذجية لأكل لحوم البشر. وأيضا ذكر الباحثون أنه لا توجد تشريعات تنظم كيفية حفظ أو إعداد المشيمة وأجزائها وما الكمية التي يُمكن للمرأة تناولها.
وهناك نوعان من سلوكيات أكل المشيمة البشرية، الأول تناول المرأة لمشيمة حملها بأي طريقة وفي أي وقت، والثاني تناول غيرها لمشيمة من امرأة بأي طريقة وفي أي وقت وهو شائع في الطب الصيني الشعبي ويُسمى Ziheche وفي مناطق من أميركا الجنوبية وجزر الكاريبي والهند. وفي المجتمعات العالمية الأخرى لا يزال هذا السلوك مستهجنًا، ولكن خلال العقود الأربعة الماضية تنامى هذا السلوك وضعف هذا الاستهجان، لدرجة أن القناة الرابعة البريطانية عرضت في 1998 برنامج طهي أعد فيه الشف مشيمة بشرية للتناول كطبق، ونشرت مجلة «تايم» في 2011 مقالاً بعنوان «بعد الولادة: ماذا أعددنا للعشاء؟» ونشرت مجلة «يو إس توداي» في 2007 مقالاً عن مدى ملاءمة تناول الأمهات للمشيمة، وهناك الكثير من المقالات الصحافية حول هذا الأمر.
وتظل إحدى أغرب الدراسات العلمية في نتائجها دراسة الباحثين من جامعة جنوب فلوريد وجامعة نيفادا، والمنشورة ضمن عدد 27 فبراير (شباط) 2013 من مجلة البيئة والغذاء والتغذية Ecology Food and Nutrition، والتي شملت نحو 190 امرأة ممن تناولن مشيمتهن بعد الولادة، وتبين فيها أن نحو 80 في المائة منهن كن جامعيات أميركيات من أصول قوقازية، ومن الطبقة المتوسطة.
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

* استشاري باطنية وقلب
[email protected]