نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

كثير من الصراحة مع واشنطن

تتحدد أهمية لقاء كامب ديفيد واشنطن بمدى الصراحة التي يجري فيها تناول الملفات الكثيرة والشائكة، ولقد قرأت بإمعان حديث الرئيس أوباما لـ«الشرق الأوسط»، فوجدته مليئًا بالتعهدات العامة، والعناوين الجذابة، إلا أن ذلك لم يلغِ المخاوف من الطريقة الأميركية في تنفيذ العناوين والتعهدات؛ ذلك أن القلق الخليجي من السياسة الأميركية، هو القلق ذاته الذي يشعر به حلفاء أميركا في كل مكان، وشركاؤها وأصدقاؤها، ولعل سبب هذا القلق هو تراجع القدرات الأميركية في الوفاء بمسؤولياتها تجاه الحلفاء وتذبذب السياسة الأميركية، خصوصا في زمن الربيع العربي، وهذا ما يهمنا كعرب في المقام الأول.
المفاوضون الذين ينتمون رسميًا إلى دول الخليج هم في واقع الأمر يمثلون قوة أساسية ونوعية في الشرق الأوسط، وليس من قبيل التضامن الأخلاقي سيطرحون كل قضايا المنطقة على الطاولة، بل لأن هذه القضايا تداخلت وتشابكت على نحو يستحيل عزلها أو الانعزال عنها، إذن.. فلنفتح بصراحة كل ملفات العلاقة مع أميركا، وليكن الحديث مع إدارة أوباما صريحًا إلى أبعد مدى، ولقد سهّل الرئيس أوباما علينا الحديث عن الملف الإيراني حين جامل القلق الخليجي بإعلان تفهمه والمشاركة فيه، وهذا يعني أن الرئيس الأميركي يفهم القلق الخليجي على أنه ليس مجرد خشية من امتلاك إيران للسلاح النووي، حيث صار ممكنًا تأجيل هذا الأمر، فالذي يقلق الخليج وحلفاءه، والذين هم معظم العرب، ذلك التمدد غير المنطقي بما يلامس حدود الكيانات العربية جميعًا، وليس اليمن هو أول الشواهد ولا آخرها، فكيف يمكن لأوباما تبديد القلق المركَّب من التمدد الإيراني ما دام يرى أن تقوية الاقتصاد الإيراني تصبّ في خدمة قوى الاعتدال داخل هذا البلد، فهل هنالك سوء تقدير للوضع الداخلي في إيران ومحصلة القرار الرئيسي فيها؟ أم أن هناك إدراك للواقع واختيار طريق غير مناسب للحلفاء في التعامل معه؟ وإذا كان لا يصح انتظار الحلول لهذه المعضلة المستمرة من أميركا، فدعم دول الخليج وحلفائها في ترتيباتهم أمر صار بحاجة إلى بحث تفصيلي في الكيفية والمدى.
وهموم الخليج لا تتوقف عند الدائرة الإيرانية، حتى لو بلغت حدّ الحرب في اليمن، فالحليف المصري كاد يسقط في قبضة الإسلام السياسي بفعل عوامل عديدة، من أهمها وأشدها فاعلية السياسة الأميركية الصريحة والمستترة تجاه الدولة المصرية في فترة الاحتشاد للإطاحة بنظام الإخوان وما قبله وما بعده، فكانت الطريقة الأميركية في التعامل مع المسألة المصرية، مثار قلق لكل من يقدر أهمية مصر في الشرق الأوسط والعالم ولكل المتوجسين من حكم الإسلام السياسي في أي مكان.
لقد كان مزعجًا لدول الخليج وللغالبية العظمى من الدول العربية والشعوب، تلك السياسة التي لو استمرت في الرهان على الإسلام السياسي، لكان حال معظم المنطقة شبيهًا بالحالة الليبية واليمنية والسورية والعراقية.
إن مصارحة حول هذا الأمر تحديدًا لا بد منها في واشنطن وكامب ديفيد، ولا بد أيضًا من تصويب الكثير من التقديرات والمسارات التي ولّدت كوارث في الماضي، ولو استمرت فليس غير الكوارث ما ينتظر الشرق الأوسط.
وحين نتحدث عن مصر ونتوقف عند ما يجري في سوريا والعراق، فلا مناص من أن تظهر بوضوح مسألة الصراع العربي - الإسرائيلي، التي كلما مرّ يوم دون معالجتها بصورة جدية، فإن التراجع في الحلول يصل إلى ما دون الصفر، ولقد توصَّل الأميركيون في عهد أوباما - كيري إلى أن القضية الفلسطينية، ومهما نشأ من قضايا موازية أو منافسة، يظل حلها هو الوصفة الناجعة للتقدم في حل مشكلات الإقليم بأسره، كان الثنائي أوباما وكيري مخلصين لاعتقادهما هذا، وهذه مسألة تسجل لهما، إلا أن الأداء لتحويل التحليل والاقتناع إلى إنجازات بدت عقيمة، إن لم نقل إنها حققت نتائج عكسية، وهذا همّ يقضُّ مضاجع الخليجيين والمصريين والأردنيين والفلسطينيين، دون أن ننسى أن دول الخليج ومن خلال المبادرة السعودية قدمت رؤية وحلاً، وكان لافتًا تجاهل هذه المبادرة فعليًا، رغم كل المزايا التي تتضمنها.
يقول مثلنا العربي «ما حك جلدك مثل ظفرك»، ويبدو أن العرب، ومن ضمنهم دول الخليج، يفكّرون جديًا في وضع العربة وراء الحصان، وليس العكس، ولعلها مناسبة قوية وفي وقتها أن يبني العرب الذين يمثلوننا في كامب ديفيد وواشنطن على قوة ذاتية قيد التأسيس والعمل، فهذا وحده ما يعدل الموازين ويؤمِّن المصالح العربية ويوفِّر لها مصداقية التحالف مع الآخرين.