ميشال أبو نجم
TT

من جنيف إلى جنيف

عندما عرض المبعوث الدولي سيتيفان دي ميستورا الأسبوع الماضي "خطته" لجولة موسعة من "المشاورات" حول الحرب في سوريا تحاشى الإشارة الى "جنيف 3"، ربما من اجل عدم التذكير بالفشل الذي أصاب جنيف 2 الذي جرى تحت إشراف من سبقه في منصبه {الأخضر الإبراهيمي} أو من عمل لصدور "بيان جنيف 1 " {كوفي عنان} وكلاهما سبقاه الى الاستقالة بعد وصولهما الى طريق مسدود. ودي ميستورا أعطى نفسه "من أربعة الى ستة أسابيع" ليرى ما إذا كانت الأطراف الداخلية، الإقليمية أو الدولية المعنية بالأزمة مستعدة للوصول الى "ردم الهوة" بخصوص الحرب والوصول الى قراءة متقاربة "في الجوهر". وزمنيا، قال المبعوث الدولي إنه سيقدم تقريرا نهاية شهر يونيو (حزيران) الى بان كي مون عما سيكون قد توصل إليه من نتائج وما يمكن القيام به.
الملفت أن دي ميستورا اختار هذا التاريخ والواضح أن الخيار لم يكن اعتباطيا؛ إذ أنه يتطابق مع الموعد المفترض أن يكون قد أبرم فيه الاتفاق النهائي بين إيران والدول الست الكبرى بشأن برنامج طهران النووي. وبما أن المبعوث الدولي قد استبق كافة الاحتجاجات بتأكيد دعوة إيران للمشاركة في مشاورات جنيف المنتظرة بعد أن استبعدت من جنيف 1 وجنيف 2 باعتبارها "طرفا مؤثرا"، ولأن "المنتظر منها أن تلعب دورا إيجابيا" في الأزمة السورية وفق كلام "وزيرة" الخارجية الأوروبية فدريكا موغيريني، فإن دي ميستورا ومعه بان كي مون يراهنان على التداعيات "الإيجابية" للاتفاق النووي على الأزمة السورية. والمنطق "النظري" في ذلك أن إيران ما بعد الاتفاق ستكون غير إيران ما قبل الإتفاق. ومقابل إعطائها مقعدا في جنيف، سيكون عليها أن تلعب دورا إيجابيا لتسهيل الوصول الى حل سياسي يعتمد على بيان جنيف 1 أي على إقامة سلطة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية تضع حدا للحرب وتدير المرحلة الإنتقالية بانتظار إجراء إنتخابات...
ثمة من يدافع عن هذه القراءة. لكن هناك من له مقاربة مختلفة تنهض على التحولات الميدانية التي تعرفها الحرب السورية منذ حوالى الشهرين والتي تجلت في خسارة النظام جنوبا لآخر نقطة حدودية تحت سيطرته مع الأردن بعد خسارته درعا وبصرى الشام وخسارته شمالا لإدلب وجسر الشغور وقواعد ومواقع عسكرية واقتراب المعارضة المسلحة من اللاذقية والشاطئ المتوسطي. وبحسب دعاة هذه المقاربة، فإن تراجع قوى النظام لا هو تكتيكي ولا هو آني، بل يعكس نضبا في مخزونه البشري وتهاوي معنويات قواته غير القادرة على القتال في جبهات متوازية وفي وقت واحد، فضلا عن خلافات داخل الدائرة الضيقة الحاكمة. ولذا، فإن التحولات الميدانية لغير صالحه ربما ستدفعه لأن يكون أكثر استعدادا اليوم لحل سياسي رفضه في السابق، إذ كان اعتبر أنه قادر على إعادة عقارب الساعة الى الوراء وإعادة حكم سوريا وسحق معارضيه.
هذا العامل معطوفا على العامل الإيراني والدور "الجديد" المنتظر من طهران و"التعب" الروسي من الأزمة السورية، ربما تكون العوامل "المساعدة" للمبعوث الدولي التي ستميز حقبته عن سابقيه كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي. وبكلام آخر، فإن مهمة الأسابيع الستة التي حددها دي ميستورا يمكن أن ينظر إليها على أنها "خشبة الخلاص" التي يقدمها للنظام من أجل التوصل الى حل سياسي بعد أن تبين أن الحل العسكري سيكون بالغ التكلفة إن لم يكن مستحيلا.
بالطبع، لا أحد يتوهم أن النظام سيسلم ببساطة بالأمر الواقع الجديد أو أنه سيتوقف عن تقديم نفسه على أنه "الحصن المنيع" بوجه الإرهاب والمنظمات الجهادية. كذلك فإن مهمة دي ميستورا في دفع الأطراف المعارضة من الداخل والخارج والفصائل المسلحة للتوافق على تصور سياسي مشترك لن يكون أمرا ميسورا بسبب الانقسامات العميقة والمصالح المتضاربة. أما حمل الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية على وضع خلافاتها واستراتيجياتها المتناقضة جانبا وقبول رعاية حل سياسي مقبول ومعقول في سوريا فإنه هو الآخر ليس تحصيل حاصل.
مشكلة خطة دي ميتسورا أنها تبدأ من النقطة التي أفشلت الجهود السياسية والدبلوماسية والوساطات السابقة؛ أي السلطة الانتقالية ومصير النظام، ولا شك أنه سيضاف إليها الحرب على الإرهاب و"داعش" و"النصرة" وأخواتهما. لكن الرهان أن التحولات الميدانية ستدفع الأطراف التي كانت متصلبة ورافضة لأي حل أن تبدي ليونة كانت غائبة عن مواقفها السابقة بما يمكن المبعوث الدولي ان يقطع بعض الخطوات في مسيرة لا شك أنها لا زالت طويلة ومزروعة بالأشواك، إن لم نقل بالجثث والضحايا.