راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

العاصفة تهب مرتين.. حزمًا وأملاً

بعد 23 يومًا من القصف الذي أنهك الانقلابيين الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح، توقفت «عاصفة الحزم» إفساحًا في المجال للعودة إلى روح «الحل الخليجي» للأزمة اليمنية الذي تتبناه الأمم المتحدة، وأطلقت قوات التحالف عنوان «إعادة الأمل» على هذه المرحلة، لأن هدف العملية في الأساس كان انتشال اليمن من الفوضى المسلحة التي عاث فيها الحوثيون وحلفاؤهم في الداخل وداعموهم في إيران.
هذا يعني أننا الآن أمام وقف للعمليات الحربية لا يعني بالضرورة وقفًا نهائيًا للنار، أي هدنة ستُبقي الحصار الجوي والبحري لمنع وصول الأسلحة إلى الحوثيين، لكنها ستتيح لهم ممرات آمنة للانسحاب من المناطق التي احتلوها، ولتسليم الأسلحة التي نهبوها من الجيش اليمني، بما يمهّد تاليًا لانصياعهم وانضباطهم في مندرجات المبادرة المتكاملة، التي يبدو أن عُمان أعدّتها في هدوء.
من الواضح والمعروف أن عُمان التي لم تنضم أساسًا إلى التحالف، قامت بالتنسيق مع السعودية ودول التحالف، وبتشجيع حماسي من واشنطن وموسكو، وبرجاء واضح من إيران التي صُدمت بفعل الحزم، وركضت منذ بداية القصف مطالبة بوقف العملية، بوضع مبادرة للحل من سبع نقاط تعكس محتوى قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي دان الحوثيين وحلفاءهم ودعاهم إلى الانسحاب من المناطق التي احتلوها، وإلى تسليم السلاح الذي نهبوه، كما تعكس في بنودها روح «الحل الخليجي» الذي وضع أساسًا لحل الأزمة قبل عامين، وتبنته الأمم المتحدة.
نحن إذن أمام مرحلة يمنية جديدة هي مرحلة «إعادة الأمل»، بما يعني ضمنًا أن الحرب كما يقال سياسة، ولكن بوسائل أخرى، وبما يؤكد تكرارًا حنكة الملك سلمان بن عبد العزيز الذي قرر إطلاق «عاصفة الحزم» في 26 الماضي، التي ستغيّر كثيرًا من الوقائع ليس في اليمن وحده، بل في الإقليم، وحتى على توازن الحسابات الدولية في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
وها هي حكمة الملك سلمان تضع قرار وقف العاصفة، ولكن ضمن إطار واضح من استمرار الحزم، سواء لجهة إنهاء عمليات التلاعب الحوثي - الإيراني بالسلاح والتسليح في اليمن، أو لدفع الأمور في اتجاه الانصياع لبنود الحل الخليجي لليمن ومندرجات الحوار الوطني التي انقلب عليها الحوثيون بتحريض من طهران.
واضح أن عملية الحزم فتحت طريقًا يمنيًا واسعًا يفترض أن يفضي إلى ما أرادته السياسة السعودية أصلاً والمتمثّل تحديدًا بالحل الخليجي ومندرجات الحل الوطني وقرار مجلس الأمن، وهكذا بينما كانت العمليات العسكرية تحقق 98% من أهدافها، كما أعلن التحالف، كانت المبادرة العُمانية تُطبخ على نار ساخنة، في حين تحرّكت المساعي الدولية والدبلوماسية على أعلى المستويات، وتحديدًا مع السعودية، ومن خلال الاتصالات بين الملك سلمان والرئيسين أوباما وبوتين، إضافة إلى الزعماء الدوليين.
وبالتوازي مع تحقيق الأهداف العسكرية على الأرض اليمنية، وتقطيع أوصال الانقلابيين، وتدمير أسلحتهم الثقيلة، بما فيها الصواريخ البالستية التي سرقوها من الجيش، تم بناء المبادرة العُمانية وفق الأسس والشروط التي تضمنها أصلاً «الحل الخليجي» وقرار مجلس الأمن، وعندها فقط، كما كان حزم الملك سلمان في موضعه، جاء حلمه بوقف العملية في موضعه، لكن وفق شروط جهوزية عسكرية ميدانية تواكب التزام الحل بأمانة وإلا فإن العاصفة تهب مرتين!
هكذا يأتي الانتصار حتى الآن انتصارين، سواء عسكريًا عبر إعلان الحرب و«عاصفة الحزم» التي شلّت الانقلابيين الحوثيين ودمرت أسلحتهم وخطوط إمدادهم، وأقامت حصارًا جويًا وبحريًا عليهم، وهي العملية العاصفة التي لقيت دعمًا دوليًا شاملاً، بما سيعيد تاليًا ضبط الحسابات والأوزان والأدوار في المنطقة والإقليم، أو سياسيًا عبر وقف الحرب وفتح باب هدنة واضحة، تمهيدًا للحل، لكن وفق المبادرة العُمانية التي ولدت من رحمين؛ رحم «الحل الخليجي» لليمن، ورحم قرار مجلس الأمن الذي دان الانقلابيين، وأكد التمسك بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي.
قانونيًا الرئيس عبد ربه منصور هادي هو الذي طلب التدخل لإنقاذ الشرعية والشعب اليمني، وهو الذي طلب وقف العملية إفساحًا في المجال للحل السياسي، وفي بيانه بعد وقف العملية فجر يوم الأربعاء الماضي، كشف أن الانقلابيين كانوا قد وضعوا اتفاقا من عشر نقاط لتقاسم السلطة بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، وبدعم من إيران، التي كانت قبل أسابيع تتباهى بأنها باتت تسيطر على صنعاء، وأنها ستُمسك بباب المندب، في إيحاء تهديدي صريح بأنها ستُطبق عبر كماشة سيطرتها على مضيق هرمز جنوبًا وباب المندب شمالاً على السعودية ودول الخليج.
لكن حسابات طهران سقطت سقوطًا ذريعًا في الميدان اليمني؛ فبعد أقل من 24 ساعة على انطلاق العملية التي شكّلت صدمة للسلطات الإيرانية، التي كانت تفترض أن المنطقة العربية دخلت العصر الفارسي، وأنها مجرد مشاع سائب ومفتوح لمخططاتها التوسعية ولتدخلاتها ولعربدتها، إلى درجة أن المسؤولين فيها صرحوا تكرارًا بأن إيران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية، وأن بغداد صارت عاصمة إمبراطوريتها، فعلاً بعد 24 ساعة من انطلاق الحزم، أطلقت طهران كل طاقتها الدبلوماسية استمطارًا لوقف العملية.
فجأة، وصل محمد جواد ظريف إلى عُمان مطالبًا بالتوسط مع الرياض ودول التحالف، ثم طار إلى باكستان التي كانت قد أعلنت تأييدها للعملية، محذرة من أن أي اعتداء على السعودية ستعتبره اعتداء عليها، بينما كانت واشنطن والعواصم الأوروبية تحذر طهران صراحة من القيام بأي عمل متهور في المنطقة، محمّلة إياها صراحة مسؤولية دعم الحوثيين وتسليحهم، والمراهنة عليهم للانقلاب على الشرعية.
وعلى امتداد الساعة، كانت تصريحات المسؤولين في طهران تستعجل وقف النار والقصف بأي طريقة، لكن عندما طرح محمد جواد ظريف مبادرة من أربع نقاط لوقف النار، سارعت الشرعية اليمنية إلى رفضها، وتعامل معها العالم بشيء من السخرية، لأنه كان من الواضح أنها تهدف إلى وقف النار وإبقاء السلاح في أيدي الانقلابيين، وإلى الحيلولة دون هزيمتهم بما يعيد الأمور دائمًا إلى الفوضى التي يثيرونها منذ زمن.
إيران المصدومة استعجلت وقف العملية منذ اليوم الأول، وكانت أول من رحّب بها، بعدما بشّرت بها قبل ساعات، لكن لأنها كانت تعرف سلفًا أنه لا مفرّ من العودة إلى إطار الشرعية اليمنية و«الحل الخليجي»، ولأنها حرصت على أن تظهر في موقع المهزوم والخاسر، أطلقت عراضة تهديد أحمد رضا بوردستان بضرب السعودية، وعراضة إرسال السفن في اتجاه المنطقة، حفظًا لماء الوجه.