عبد الله بن كدسه
متخصص في الإعلام والسياسه .. حاصل على الماجستير في الإعلام الدولي .. صحافي بصحيفة الحياة .. عضو هيئة التدريس في كلية الإعلام والاتصال
TT

الإعلام التقليدي.. والجديد

حين قرر الصينيون بناء سور الصين العظيم كان الهدف هو حماية الأراضي الصينية من جهة الشمال والغرب وكان السور مجهزًا بأماكن لرمي السهام وثكنات عسكرية للجنود تحسبًا لأي هجوم، ولكن مع التطور التقني والتكنولوجي لم يعد هذا السور العظيم قادرًا على المواجهة بعد أن كان الدرع الصامدة وتحول إلى مزار للسياح من كل مكان.
وسائل الإعلام التقليدي هي ذاك السور العظيم الذي كان له التأثير القوي والانتشار الواسع والخصائص المميزة التي مكنته في وقت مضى من أن يسيطر على عقول الناس ويصنع توجهاتهم وآراءهم ويشكل الرأي العام، حتى قال هارولد لازويل نظريته، إن تأثير الرسالة الإعلامية كالطلقة النارية التي إذا صوبت بشكل دقيق لا تخطأ الهدف مهما كانت دفاعاته، كما سميت بنظرية الحقنة أو الإبرة تحت الجلد، وشبهت الرسالة هنا بالمحلول الذي يحقن به الوريد ويصل في ظرف لحظات إلى كل أطراف الجسم عبر الدورة الدموية ويكون تأثيره قويا ولا يمكن الفكاك منه.
ولكن ما إن أتت وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام حتى سحبت البساط من تحت هذه الإمبراطوريات الإعلامية الكبيرة شيئًا فشيئًا، اضطرت هذه الإمبراطوريات الإعلامية إلى أن تتعامل مع هذا المتغير الجديد، هذه الوسيلة التي أدمنها الناس لخصائص معينة منها سهولة الاستخدام والتفاعلية بالإضافة إلى قربها، فهي متاحة في جيب كل شخص.
وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة لكل شخص أن يكتب ويقول ويعبَر عما يريد، وتصل هذه الرسائل التي يكتبها إلى أي شخص في العالم، يشاهدها مرة ومرتين وثلاثا، يتفاعل معها ويرد عليها ويعيد نشرها، لا رقابة في هذا العالم الافتراضي الحقيقي سوى الرقابة الذاتية، تجاوزت هذه الوسائل التكلفة العالية في الإنتاج، تجاوزت كذلك سرعة نشر الخبر، هي الوسيلة الأسرع بامتياز.
استخدام هذه الوسائل يختلف باختلاف الثقافة السائدة في المجتمعات، يختلف القالب أو الموقع الذي يتواصل فيه الناس ويعبرون فيه عن أفكارهم وآرائهم نحو الأحداث، مثلاً يشتهر موقع «تمبلر» في روسيا، و«فيسبوك» في اليمن ومصر و«تويتر» في المملكة و«إنستغرام» في الكويت، وهذا بلا شك له علاقة بالتكوين الثقافي لدى المستخدمين، فعلى سبيل المثال يفضل السعوديون أن يستخدموا «تويتر» ببساطة لأنه 140 حرفا، الاختصار والنفس القصير في القراءة والكتابة أمر يمتاز به السعوديون وكانت هذه الخاصية في هذا الموقع موجودة فحازت على استحسان السعوديين واستخدموها.
تظل مصداقية وسائل الإعلام التقليدي هي الأعلى، وذلك للحرفية والمهنية التي يمتاز العاملون فيها بهما، بالإضافة إلى أنها تحت المجهر وهي الوسيلة التي يتابعها أصحاب القرار والنخب السياسية، لكنها حتى تنال الشعبية والانتشار يجب أن تبدأ في عملية إدارة المحتوى وتوزيعه على الوسائل الجديدة وأن توجد لنفسها مكانا في هذا العالم المزدحم الافتراضي الحقيقي.