محمد مصطفى أبو شامة
كاتب وصحافي مصري
TT

الطريق إلى القمة

كان الطريق إلى القمة العربية في شرم الشيخ محفوفا بالمخاطر، ومفروشا بالنيات الطيبة والأحلام الوردية التي تصاحب كل قمة عربية في موعدها السنوي، وهذا العام زادت جرعة الأمل وانخرطت الوفود الوزارية في العمل بحثا عن مخرج للمأزق العربي الراهن، وعن تصور فريد يطفئ الحرائق المشتعلة في معظم البلدان العربية، حتى أمست الدول الأعضاء في الجامعة العربية باستثناء جزر القمر - لجهلنا بها وبما يدور فيها - تناجي الله كل يوم بأن يصبح عليها النهار من دون أزمات ومشكلات وخلافات ومعارك أهلية ودعشنة دينية وصراعات مذهبية، إلى آخره من قائمة الأمراض العضال التي أصابت الجسد العربي المسكين.
كان هذا هو الطريق إلى القمة حتى الساعات الأولى من صباح الخميس 26 مارس (آذار) 2015، وقبل 48 ساعة من انطلاق جلساتها على مستوى الملوك والرؤساء، عندما فوجئت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج وشعوب العالم أجمع، بالقوات الجوية الملكية السعودية تخرج عن صمتها، وتنطلق من قواعدها لتدك حصون «ميليشيا الحوثي» الذي بغى وطغى في أرض اليمن الحزين، ولم يكتف بذلك بل بدأ يتحرش بقواته الهمجية بحدود «الجار الهادئ»، الذي كلّ الصبر من صبره، الجار الذي حفظ كل حقوق الجيرة لعشرات السنوات، ولا يتسع مقال لما قدمته السعودية لكل الحكومات اليمنية وقبلها للشعب اليمني، منذ زمان الملك المؤسس وكل خلفائه من الملوك الراحلين وحتى عهد الملك «الحازم» خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الذي أصدر القرار الذي غير مسار الطريق، وجعله واضحا لا لبس فيه.
لقد سبق خادم الحرمين الجميع إلى القمة وفي صحبته حلفاؤه من دول العالم، وبطلب من الرئيس الشرعي لجمهورية اليمن، أطلق الملك سلمان عاصفة سعودية عاتية في وجه أطماع وأوهام صبرت عليها المملكة وبذلت لصدها كل الجهود الدبلوماسية، لكن الجميع أدار ظهره ولم يجنحوا للسلم، فكانت «وأعدوا لهم ما استطعت»، هي رسالة الحزم التي اختير توقيتها بعناية فائقة وتمت عملياتها ببراعة مدهشة، وإن بقي سر النجاح في «التوقيت»، فلم يكن بمقدور أحد أن يجرؤ ويتخيل أن تقوم السعودية وحلفاؤها بعمل عسكري ضد «الانقلابي الحوثي» قبل يومين من مؤتمر القمة العربية بشرم الشيخ التي على رأس جدول أعمالها الملف اليمني، وجميع أطراف الصراع في «استرخاء المنتظر»، لهذا كانت الضربة موجعة وحاسمة.
لقد أنهت المملكة القمة قبل أن تبدأ، وغيرت طريقها من طريق الآمال والقرارات التي تحفظ في أدراج الجامعة العربية على مشارف ميدان التحرير القاهري، إلى واقع جديد على العرب جميعا أن يدركوه، ورسالة مختصرة اختزلت فيها السعودية كل المعاني: يجب أن نصطف ونتحد في وجه الخطر المحدق بأمتنا العربية والإسلامية فورا.
وتصبح القمة العربية الـ26 في شرم الشيخ هي قمة الحزم.