خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الإرهاب الانتهازي

في مزيج من الذكاء والسيكوباتية، توصل قادة «داعش» لهذه الوصفة العملية الرهيبة. أدركوا أن هناك شريحة كبيرة من شبابنا عاطلين عن العمل وعاجزين عن الزواج ومبتلين بالكبت، وشريحة أخرى من المفطورين على السادية والسيكوباتية والعنف وسفك الدماء لأسباب غريزية وبيئية، وفئة أخرى من السذج الذين أساءوا فهم الإسلام واغتاظوا مما فعله الغرب في منطقتنا، ففتحوا لهذا المزيج من الشباب والشابات هذه الساحة الفسيحة لتحقيق أهوائهم ونوازعهم؛ عمل وأكل وسكن وثأر وإباحية، وفرص للسادية: اقتل واذبح كما تهوى، اهدم ودمر أي شيء لا يعجبك، وكله مجانا ومدفوع عنه، وبإطار الدين وأمل الجنة وحورياتها. أبعد ذلك من مغريات لهذه الشريحة الضائعة من الشبيبة لتلتحق بهذا العمل القذر والدموي الذي يدمر مستقبل وصحة مئات الصبايا البريئات؟
إقامة تنظيم سياسي وعسكري على هذا الأساس الانتهازي ومن هذه المادة المسكينة الساذجة عمل من أشنع ما يتفتق عنه ذهن إنسان ولا يمكن أن يصدر إلا من عقل مبتل بأخطر ما يمكن من الشذوذ المرضي والذاتية الانتهازية التي استغلت ما سمي بالصحوة الإسلامية لتسخير الدين لغير مقصده. ومن يمدهم بالمال والسلاح أسوأ منهم.
تبرير ما قام به محمد الأموازي وأمثاله بحجة ما شعر به في إنجلترا من الرفض العنصري والاجتماعي سذاجة مطبقة. كل الغرباء واللاجئين والأجانب يشعرون بمثل هذا الرفض والصدود والشبهات في وطن غير وطنهم الأصلي. هذا شيء طبيعي تشاركنا فيه حتى الحيوانات عند نقلها لغير محيطها الذي ولدت فيه. أنا أيضا كأجنبي وعربي تعرضت لمثل هذا الرفض رغم كل كرم الإنجليز وطيبتهم. ولكنه لم يحملني على كرههم ولا فكرت في الانتقام من أحد أو الانتماء لأي تنظيم متطرف أو عدائي. كذا هو الأمر مع ملايين اللاجئين والمغتربين، مسلمين وغير مسلمين، الذين يعيشون في الغرب. يواجهون الصعوبات ويتعلمون على معالجتها وتفهمها والتعايش معها.
بيد أن بعض البشر يعانون فعلا من نوازع سادية وسيكوباتية وبارانوئية وميغانومية، جينية وبيئية. تلاحظ ذلك حتى في الأطفال. فرغم الخلفية والتربية المتشابهة، يظهر بينهم من نسميه بـ«زعيب خرّاب اللعيب». لا يشارك في اللعبة إلا ليلخبطها ويدمر معداتها، يضرب هذا ويشتم ذاك. ويستأنس بما فعل ويستغرق بالضحك. ما أن يمر بظروف سلبية حين يشب حتى يتفاعل معها سلبيا أيضا وقد يصبح من أشقياء الحارة وينتهي بالسجن. حالما يسمع بعصابة إرهابية كـ«داعش» أو «القاعدة» أو «جبهة النصرة» يسرع إليها. ومتى ما صادفته ظروف مواتية يصبح نيرون أو غاليكولا أو هتلر أو صدام حسين ليشبع عطشه للدم والدمار.
تلقى الأموازي معالجة نفسية أثناء تلمذته بلندن ورفضته حتى منظمة الشباب الصومالية. يلقي هذا الأمر على مديري المدارس مسؤولية ملاحظة وتسجيل سلوك أي تلميذ من هذا النمط، وأيضا النمط الآخر الانطوائي المنغلق على نفسه. وكذا يتعين على أجهزة الأمن مراقبته وملاحقته واتخاذ ما يلزم بشأنه. وعلى أهل السياسة والإدارة الحذر من مثل هذه الشخصيات واستبعادها من أي مسؤولية لئلا يقعوا فيما وقع فيه حزب البعث بصدام حسين والحزب الاشتراكي القومي الألماني بأدولف هتلر.