وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

لبنان.. والولادة العسيرة

9 أشهر كاملة لم تكن كافية لأن يحتفي اللبنانيون «بولادة» عهد جديد (لن يتجاوز جديده اسم الرئيس) طالما أن مرشحا مزمنا للمنصب لا يضيره أن يلعب دور المولد والمولود معا.
لا الولادة الطبيعية ولا القيصرية تبدو متاحة في ظل «الاحتقان» السياسي الراهن، بدليل تجنب حوار «تنفيسه» البحث فيه، وكأن الجميع لا يضيرهم أن يظل لبنان في حالة مخاض إلى أجل غير معروف.
إلا أن من الإنصاف التذكير بأن الفراغ الرئاسي الأطول منذ توقيع اتفاق الطائف لا يعود الفضل فيه إلى «عضلات» هذا المرشح أو ذاك، كما يتوهم البعض، بقدر ما يرجع إلى تضافر مجموعة عوامل إقليمية وداخلية على تعطيل مؤسسة الدولة اللبنانية بدءا برأس هرمها السياسي.
ربما كان رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، من أوائل من حذّر اللبنانيين من البعد الدستوري لأزمة الرئاسة في لبنان في تلميحه إلى أن «حالة الشغور (في رئاسة الجمهورية) تؤدي تدريجيا إلى قضم الصلاحيات الرئاسية من خلال تخطي الأعراف السابقة وإنتاج أعراف جديدة عبر آليات متتالية يقرها مجلس الوزراء، ما يكاد يعطي انطباعا بأن البلاد تسير بشكل طبيعي من دون الحاجة إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
حتى فرنسا - التي تربطها بالطائفة المارونية علاقات تاريخية وشيجة - تخوفت، بلسان مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من «خطورة التعود على الفراغ الرئاسي» في لبنان ومن تضييع فرصة «لبننة الاستحقاق الرئاسي».
لا جدال في أن تهميش دور الرئاسة الأولى في صناعة القرار الرسمي اللبناني هو تهميش للدور المسيحي ككل - وليس الماروني وحسب. ولو لم تكن الرئاسة اللبنانية هي الرئاسة المسيحية الوحيدة في العالم العربي، لما اتخذ التحسب من الأبعاد السياسية لشغورها حجمه الحالي؛ فهي، إلى حد بعيد، مؤشر أولي على قابلية المشرق العربي للتعايش مع التعددية المذهبية والمعتقدية رغم المد «الداعشي» الراهن في المنطقة. واستمرار هذا الشغور، في مناخ التحولات الإثنية والعسكرية المتلاحقة إقليميا وما أفرزته من «عسكرة» الساحة السياسية في لبنان، يطرح تساؤلا جديا عما إذا كان دستور الطائف لا يزال، بحد ذاته، كافيا لضمان احتفاظ الطائفة المارونية بموقع الرئاسة الأولى في لبنان، أم أن احتفاظ الطوائف الثلاث الأولى بمواقعها الدستورية بات مرهونا بالثقل السياسي لهذه الطوائف.
ومع التسليم بأن العامل الإقليمي يساهم بشكل شبه مباشر في إطالة أزمة الرئاسة اللبنانية الأولى، يصعب إعفاء قيادات الطائفة المارونية من مسؤولية إيصال طائفتهم إلى حالة «انعدام الوزن» (السياسي) في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان. ورغم أن هذه الحالة بدأت عام 1990 مع ما سمي «بحرب الإلغاء» بين ميليشيا «القوات اللبنانية» والجيش الذي كان يقوده آنذاك العماد ميشال عون، فإن استمرار الحرب، سياسيا، لغاية عام 2015 يكشف عن «انعزالية» ذهنية متجذرة في صفوف الطائفة المارونية تتمثل في تعاملها مع المنصب الرئاسي الأول وكأنه صراع على الزعامة المارونية لا استحقاق وطني لبناني.
واللافت، على هذا الصعيد، أن عملية إزالة آثار «حرب الإلغاء» لم تعد سهلة التحقيق بعد أن دفعت حالة «انعدام الوزن» قادة الطائفة المارونية لأن يطلبوا «اللجوء السياسي» إما لدى «تيار المستقبل» أو لدى «حزب الله»... الأمر الذي يفسّر تجاهل رعية الكاردينال الراعي نداءاته المتكررة لإنهاء الخلافات المارونية الداخلية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية «في أسرع وقت».
من حيث المبدأ، الجميع في لبنان يرغب في إنهاء أزمة الشغور الرئاسي. ولكن، رغم كل التصريحات والتمنيات العامة الداعية إلى الإسراع في ملء منصب الرئاسة، من غير الواقعي أن يتوقع القادة الموارنة أن يحرص الآخرون، أكثر منهم، على احتفاظهم بالموقع الرئاسي الأول في لبنان، خصوصا بعد أن «مورنوا» معركة الرئاسة إلى حد اعتبارها لعبة سياسية خاصة بهم... ما يعني أن حلها تحكمه اليوم المقولة المصرية الشعبية: «اللي شبكنا يخلصنا».