سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

حيرة الأميركان في السعودية

قبل أن نبدأ في مقالنا اليوم، نعزي أنفسنا كبحرينيين أولا، ومن ثم نعزي السعوديين ملكا وشعبا، ونعزي الأمة الإسلامية والعربية، في وفاة المغفور له بإذن الله الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، فقد كان أبا رؤوفا رحيما بابنته الصغرى (البحرين) كما سماها حين «نخته» وقت الشدة في أزمتها في مارس (آذار) 2011، حينها بادرنا بالسؤال: «لقد كنت انتظركم لماذا تأخرتم؟»، لن ننسى مقولته إن «حدود الرياض تنتهي في المنامة، وما يمسكم يمسنا».
كم كانت كلماته بلسما على قلوبنا تحددت على إثرها مواقف القوى العظمى، مما كان يخطط للبحرين، وقفته وموقفه كانا ضربة قاصمة لمخطط تآمري لإسقاط دولة صغيرة في الخليج، كانوا يعتقدون أنها الحلقة الأضعف واللقمة السائغة، فجاء عبد الله بن عبد العزيز ليصد هذا المد، وبكلمة منه عرف كل منهم حدوده.
هذا عهدنا به، وهكذا ستظل ذكراه خالدة عند أبنائه من شعب البحرين، وعند الشعب المصري كذلك، وكثير من الشعوب التي امتدت لها أياديه البيضاء، فله خاص الدعاء منا، تقبله الله مع الشهداء والصديقين والأبرار.
حقيقة، لم يتوقع من خطط للشرق الأوسط الجديد ردة فعل المملكة العربية السعودية على هذا المشروع، حتى عبارات «الاستغراب» التي تتوالى الآن حول سلاسة انتقال السلطة بعد وفاة الملك عبد الله، لها دلالة على أن ما يعرفونه عن المملكة العربية السعودية يخالف ما يجري فيها على أرض الواقع، وبالعودة لصحفهم سترى أنهم يفاجأون الآن للمرة الثانية باستقرار الأمور وعدم وجود اضطرابات تلحق بوفاة الملوك من آل سعود، بعد أن فوجئوا عام 2005 بعد وفاة الملك فهد، فالمعلومات التي زودتهم به كثير من مراكز الأبحاث والدراسات وما يكتبه المحللون السياسيون كديفيد هيرست، وفيسك، وتقارير معاهدهم ومؤسساتهم البحثية كـ«راند»، ومعهد واشنطن، ومعهد هدسون، تبدو وكأنها تستقي معلوماتها من نبع واحد، جميعهم أغرقوا الإدارات المتلاحقة في الولايات المتحدة بالأبحاث والدراسات والتحاليل التي تتحدث بالتفصيل عن عوامل ضعف ضد المملكة العربية السعودية، وبيت الحكم فيها وحجم الخلافات، حتى تظن أنهم أعلم بشعاب مكة من أهلها فعلا.
وكما نعلم أن تأثير تلك المراكز كبير على صناع القرار وأحد أهم محددات السياسة الأميركية اتجاه المنطقة، إلا أنهم ما زالوا يستغربون رد فعل السعوديين في كل حدث، ويرون أن ما حدث هو عكس ما توقعوه، حتى نظم معهد هدسون في يونيو (حزيران) 2002، ندوة بعنوان «السعودية عدو أم صديق؟» وسأل آخر: هل السعودية تمول الإرهاب أم تحارب الإرهاب؟ وأبحاثهم ودراستهم التي تصب في هذا الإطار، تعادل تصريحاتهم مسؤوليهم بأن السعودية أكبر داعم لمكافحة الإرهاب، كما قال بروس هوفمان، رئيس مؤسسة راند لصحيفة «الرياض» في 2010، الذي أشاد بجهود المملكة في مكافحة الإرهاب، ثم تتكرر الحيرة والمفاجأة في دور السعودية الذي تلعبه في ما يتعلق النفط، ويتساءلون كما تساءل سايمون هندرسون، مدير معهد واشنطن: أهي لعبة سياسية ذكية أم انفعالية تلك التي تلعبها السعودية في أسعار النفط؟ ثم أخيرا: هل هناك صراع؟ كما قال ديفيد هيرست في مقالته الأخيرة بعد وفاة الملك عبد الله أم اتفاق؟ هل العلاقات السعودية - الأميركية ثابتة كما يؤكد دوما البروفسور جريجوري جوز، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة فيرمونت والمتخصص في العلاقات السعودية - الأميركية، وكما تقول باربرا سلافن، كبيرة الباحثين بمؤسسة أتلانتك كاونسل للأبحاث في واشنطن: «تصريحات المسؤولين السعوديين لا تنطوي على نية حقيقية في تغيير العلاقات مع واشنطن، وإنما تستهدف الضغط بهدف التأثير في السياسات الأميركية التي لا ترضى عنها السعودية»، أم أنها متحولة ومرهونة بالمتغيرات التي أحدثها الديمقراطيون في السنوات الأخيرة؟
قد لا تعنينا هذه الحيرة بشأن كل ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية والسعوديين كثيرا، لولا أن هذه الحيرة لها دلالة على حجم التخبط في السياسية الأميركية اتجاه المملكة العربية السعودية تحديدا، وبشكل خاص، وتجاه المنطقة بشكل عام، تلك «الحيرة» هي الأساس الذي بنيت عليه سياسات وسيناريوهات مستقبلية للمنطقة كلها.
إن «المفاجأة» من موقف المملكة العربية السعودية مما سمي الربيع العربي ووقوفها إلى جانب البحرين ومصر خصوصا، ليست إلا سلسة ضمن عدة مفاجآت اعترت المراقبين السياسيين الأميركيين، ثم المفاجأة من موقفها من تدهور أسعار النفط، ثم المفاجأة من موقفها اتجاه الفخ اليمني، ثم أخيرا المفاجأة من الانتقال السلس للحكم، جميعها مفاجآت تتناقض مع توقعاتهم التي بنيت على زخم المعلومات التي تتحدث ضعف الحكم والخلافات.
هو الجهل ذاته والحيرة ذاتها التي انتابتهم حين تصدى شعب البحرين لما خططوا له، وجميعها سيناريوهات وسياسات ومشاريع بنيت على معلومات منقوصة أو على رؤية غير موضوعية لتبعات السياسة الخارجية الأميركية للديمقراطيين وموقفهم من إيران وموقفهم من التنظيمات الشيعية وموقفهم مما سموه السلام المعتدل (الإخوان)، فالمعلومات التي بنوا مخططهم عليها أن شعب البحرين عبارة عن أغلبية شيعية تحكمها أقلية سنية، فدعموا ما ظنوه وما اعتقدوه وما زودتهم به بعض المراكز البحثية بأنه يمثل الأغلبية، ويمثل صورة من صور الإسلام المعتدل، لذلك كانوا فوجئوا مرة أخرى، وتسألوا من هم هؤلاء الذين وقفوا في مسجد الفاتح معترضين على تحويل البحرين إلى جمهورية إسلامية؟ من هم هؤلاء الذين صوتوا بنسبة 53 في المائة وشاركوا في انتخابات 2014؟ حيرتهم لم تنته بعد، ومفاجآتهم لم تنته بعد.
معلوماتهم الاستخباراتية على كثرتها، إلا أنها تفتقد القراءة التحليلية السليمة التي تربط تلك المعلومات بعقلية البشر بما تحمله هذه العقلية من ثقافة وعرف وتقاليد وخبرات تراكمية ومعرفة وذكاء وموروثات، لقد أرجع أحد الكتاب قدرة آل سعود في الاستمرار في الحكم حتى اليوم، إلى «الغريزة» وحب البقاء (سرفايفرز)، المعلومات على كثرتها لا تزيد عن القفاز بلا يد تحركه، واقع لا يعرف صانع القرار الأميركي حقيقة اليد التي تستخدم ذلك القفاز. أعجبني في هذا المقال عنوان لأحد الباحثين العرب حول مراكز الأبحاث الأميركية «مراكز الأبحاث سماسرة معلومات أم صناع سياسية؟».
الخلاصة، كثيرة هي المفاجآت التي توالت وستتوالى على المراقب الأميركي لما يجري في السعودية أو منطقتنا، فالولايات المتحدة الأميركية لم تقدر بعد حجم خسارتها الناجمة عن تسرعها في أحكامها واعتمادها في رسم سياستها المستقبلية على تقارير ودراسات لم تطأ قدم كثير من واضعيها أرض المملكة العربية السعودية أو المنطقة العربية.