سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

دون المستوى

في كلمته التي ألقاها نيابة عنه مساعده للشؤون متعددة الأطراف والأمن الدولي، قال سامح شكري، وزير الخارجية المصري، إن «المساندة الدولية لنا، في حربنا ضد الإرهاب، لا تزال دون المستوى».
الكلمة ألقيت في محفل دولي عام، أمام المؤتمر الوزاري لمنظمة التعاون والأمن الأوروبي، الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية، يومي 4 و5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
ورغم أن الوزير في كلمته، كان يتكلم عن الشأن المصري، بطبيعة الحال، فإنني أتصور أنه عندما تحدث عن المساندة الدولية «لنا» في الحرب على الإرهاب، لم يكن يقصد بـ«لنا» هذه، الحرب المصرية المعلنة على الإرهاب الأعمى، بكل أشكاله وصوره، وعلى كل جبهة، بشكل خاص، بقدر ما كان يقصد المساندة الدولية المفترضة، ثم التي هي دون المستوى، للجهد العربي بوجه عام، في مواجهة إرهاب يتخذ الدين قناعا، خصوصا الحرب عليه في الرياض، وفي أبوظبي، وفي المنامة، وفي كل عاصمة عربية إلى جانب القاهرة تقاوم هذا المرض بكل ما لديها من عزم، وقوة، وجدية، وإصرار!
القاهرة، إذن، ليست وحدها، حين تشكو في مؤتمر وزاري عالمي، ضعف المساندة الدولية، وإنما هناك عواصم أخرى، كبرى ومهمة، من نوع ما ذكرت، لديها الشكوى نفسها، وهي تحارب الإرهاب بكل ما عندها من يقين في انتصارها عليه، وهو يقين نابع من أن الله لا يمكن أن ينصر الذين يشوهون دينه، على الذين يريدون الدين نفسه، رحمة للناس، ورأفة، وهداية، ثم إنهم يريدونه نورا في كل أحواله.
لا بد أن ينصر الله تعالى، الذين يريدون لدينه أن ينتصر، بفطرته الأولى، وقبل أن يختلط بما اختلط به، في أعين كثيرين، من جراء أفعال هؤلاء الذين يظهرونه بما ليس فيه، في كل يوم!
غير أني كنت أتمنى، لو أن وزير خارجيتنا قد سمى الأشياء بأسمائها، في كلمته، ولو أنه تخلى، ولو قليلا، عن لغة الدبلوماسية في كلامه، ليقول لنا مَن بالضبط، في هذا المجتمع الدولي، يقف دون المستوى أمام إرهاب ينغص على آحاد الناس حياتهم في كل صباح.
فالكلام عن المساندة الدولية، عموما هكذا، لا يدين أحدا بعينه، ولا يضع التهمة حيث يجب أن توضع، ولا يعلقها في الرقبة التي يجب أن نعلقها فيها.. ولذلك، فأغلب الظن، أن الأمر سوف يختلف، لو أننا قلنا بأن المساندة الأميركية، تحديدا للجهد المصري، ثم الجهد العربي معه، في وجه الإرهاب، لا تزال دون المستوى.. بل هي دون المستوى بكثير!
وإلا، فما معنى أن تعلن القاهرة، أن الإخوان جماعة إرهابية، ثم تعلن الرياض أن الإخوان جماعة إرهابية، ثم تعلن أبوظبي، أن الإخوان جماعة إرهابية، فإذا بالبيت الأبيض، بعد هذا كله، وبعد مذكرة راحت إليه عليها 200 ألف توقيع تطالب بالإخوان جماعة إرهابية.. إذا به يعلن أنه لا دليل عنده يتوفر، على أن الإخوان إرهابيون، أو على أنهم قد تراجعوا عما كانوا قد أعلنوه من قبل، عن أنهم ينبذون العنف!
يعلن البيت الأبيض هذا، متجاهلا ما صدر في حق الجماعة نفسها، في 3 عواصم ذات وزن، في المنطقة العربية، وفي الإقليم عموما، ولو شاء البيت الأبيض أن يسأل أهل الشأن، في العواصم الثلاث، عن مبررات إعلان الإخوان جماعة إرهابية فيها، لوجد أن إعلانا في هذا الاتجاه، لم يأتِ من فراغ، ولم يصدر عن لا شيء، وإنما صدر بعد أن فاض الكيل، تجاه ممارسات الجماعة الإخوانية، وتجاه كل الجماعات التي خرجت من تحت عباءتها، ثم بعد أن صار مثل هذا الإعلان، مطلبا شعبيا قويا، وليس مجرد رغبة رسمية لهذه الحكومة أو تلك!
ولو أراد البيت الأبيض، دليلا، لوجد ألف دليل، بل إنني لا أبالغ إذا قلت إن هذه الدلائل متوفرة عنده وزيادة، دون أن يكون في حاجة إلى سؤال، ولا إلى استفسار، غير أن رهانا قديما على الجماعة، من جانبه، يبدو أنه لا يزال يراوده، ويبدو أنه رغم كل ما جرى، من ناحية الإخوان، ومن ناحية الذين هم أبناء وأحفاد الإخوان، لا يزال يحاول إقناع نفسه، بأنهم في الجماعة أهل اعتدال، مع أنهم لا أهل اعتدال، ولا يعرفون الاعتدال من أصله، بالدليل، والبرهان، وليس بالكلام.
إنني أحيانا أشعر بأننا نضيع وقتنا، حين نحاول لفت انتباه الأميركان، إلى حقيقة الإخوان، وكيف أن العنف نشأ معهم، يوم نشأوا، ثم اقترن بهم، ولم يفارقهم في لحظة، وإذا كان قد جاء عليهم وقت، لم يمارسوا فيه عنفا، أو قالوا بأنهم ينبذون العنف، فإن ذلك كله كان تكتيكا منهم يراعي ظروف المرحلة، لا استراتيجية طويلة الأمد يرى الناس أثرها على الأرض.. نضيع وقتنا لأنهم هناك في الولايات المتحدة يعرفون عن حقيقة الإخوان ما نعرف، وأكثر!
وإذا كان البيت الأبيض، يقول وهو يعلن عدم توافر تلك الأدلة، إنهم في الجماعة الإخوانية لم يتراجعوا عن إعلانهم نبذ العنف، وإنهم «يقولون» ذلك دائما، فليعلم، أن الإخوان هم أول الناس الذين يقولون بعكس ما يعتقدون ويفكرون ويفعلون، وأن الكذب سمة أساسية، ويكاد يكون سمة وحيدة فيهم، وأنهم يمارسون الكذب لا باعتباره ممارسة عابرة، قد تنجيهم من مأزق طارئ هنا، أو هناك، وإنما باعتباره أسلوب حياة.