علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

نمر لا يجيد القراءة والكتابة

في الصين القديمة، منذ ألف عام تقريبا، حدثت هذه الواقعة لسكان إحدى القرى الصغيرة. للوصول إلى حقولهم كان لا بد لهم أن يخترقوا إحدى الغابات، هذه الغابة كانت آمنة إلى حد ما، ولكن ذات يوم هاجمهم أحد النمور وقتل قرويا ثم التهمه، هو نمر عجوز طاعن في السن وهو ما يجعله عاجزا عن صيد أي حيوان من حيوانات الغابة السريعة ولذلك اختار أن تكون ضحاياه من البشر وهم أضعف خلق الله. اهتم الإعلام الصيني بهذه الكارثة وخصص لها ساعات طويلة في برامجه.
أرسل سكان القرية عشرات الوفود إلى عشرات المسؤولين طالبين حل مشكلتهم، كما قابلوا بعض كبار المسؤولين الذين وعدوهم بحل مشكلتهم حلا نهائيا عند البدء في تنفيذ خطة الخمسة أعوام القادمة. اقترح أحد سكان القرية قتل النمر، ولكن جماعات حقوق الحيوان هاجمته بعنف فاعتذر لهم علنا وقال إنه لم يقصد قتله بالمعنى المفهوم من كلمة قتل، كما أكد أنه أحد محبي الحيوانات وخاصة المتوحشة منها. كانت الخطوة الأخيرة عند هؤلاء التعساء هي تقديم شكواهم لإمبراطور الصين شخصيا وهذا ما حدث بالفعل. قابلهم الإمبراطور في البهو الكبير واستمع لمأساتهم. قال الإمبراطور في ألم وهو ينظر إلى مساعديه وأفراد حكومته: لماذا أخفيتم عني هذه الحكاية؟ لماذا تركتم هؤلاء القرويين الشرفاء يتألمون ويدوخون السبع دوخات بحثا عمن ينقذهم من براثن هذا النمر؟
أطرق الجميع رؤوسهم إلى الأرض وهم يتمتمون بكلمات غير مفهومة. عاد الإمبراطور يقول: مشكلة مثل هذه كان المفروض أن يحلها مجلس محلي القرية، هل المفروض أن أقوم أنا بحل هذه المشاكل التافهة؟ لماذا لم يتولَ عمدة القرية حل هذه المشكلة؟
اقترب منه أحد مساعديه وهمس في أذنه: هو أحد الضحايا يا مولاي.. لقد أكله النمر.
سكت الإمبراطور عدة لحظات ثم استدعى رئيس وزرائه وقال له: سأملي عليك الآن أمرا إمبراطوريا تقوم بتنفيذه على الفور.. اكتب يا سيدي. من إمبراطور الصين العظيم إلى نمر الغابة الذي يفتك بأهل القرية.. عليك أن تقوم بتسليم نفسك فورا إلى رئيس الوزراء.
أمسك رئيس الوزراء بالقرار الإمبراطوري وسار من فوره إلى الغابة، كان معه عدد كبير جدا من المسؤولين، غير أنهم بقوا خارج الغابة وتركوه يدخلها بمفرده. بمجرد أن شم النمر رائحة بني آدم، خرج له من مكمنه. رئيس الوزراء كان رجلا شجاعا فوقف في ثبات إلى أن أصبح وجها لوجه أمام النمر فانحنى له في أدب وقدم له الأمر الإمبراطوري فالتهمه النمر كما التهم رئيس الوزراء.
انشغل المثقفون بعدها بمناقشة ما حدث وأين كان الخطأ؟ بعضهم قال إن النمر لا يجيد القراءة والكتابة وإلا لقرأ الأمر الإمبراطوري ونفذ ما فيه على الفور. البعض الآخر قال: كل كلمات الدنيا المكتوبة على الورق، كل القوانين ومواد الدساتير لا تصلح بديلا عن الفعل..