رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية
TT

استعادة سوريا ضرورة أخلاقية واستراتيجية

كان خطاب الأمير سعود الفيصل في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة يوم الأحد الماضي، درسا في السياسة والاستراتيجية، فضلا عن أبعاده الأخلاقية والقومية. فهناك خمس وقائع لا يمكن إنكارها أو تجاهلها وهي: أن النظام السوري يقتل في شعبه إلى حدود الإبادة على مدى عامين ونصف العام. وقد بلغ عدد القتلى في الحد الأدنى مائة وعشرين ألفا، وتهجر سبعة ملايين إنسان بين الداخل ودول الجوار، وتخرب نحو الأربعين في المائة من عمران البلاد. وأن هذه الجرائم ضد الإنسانية ما وجدت انتباها حقيقيا، ولا تفكيرا في محاسبة وعقوبة، كما أن دعوات الحل السلمي والحوار والبعثات الدولية المختلفة ما نجحت في وقف القتل، ولا في دفع النظام للتفكير بغير الحل الأمني. وأن مجلس الأمن عجز عن اتخاذ قرارات بشأن المذبحة بما في ذلك استخدام الكيماوي، بسبب معارضة روسيا والصين. وأن العرب من خلال الجامعة، أو بالشكل الفردي، حاولوا بالسلم والتفاوض، وبالضغط على النظام القاتل بالحصار وقطع العلاقات، فاستطاع النظام الصمود في مواقعه بسبب المساعدات العسكرية والقوات المقاتلة من جانب إيران والعراق وحزب الله وروسيا. والواقعة الرابعة أن الأميركيين والأوروبيين أو بعضهم فكر ويفكر بعد دخول النظام في الحرب الكيماوية على شعبه - في ضربة «محدودة» لكي لا يبقى النظام دون محاسبة أو معاقبة. وبالطبع فإن ذلك لن يكون حاسما في وقف القتل أو إسقاط النظام، لكن الضربة، إن وقعت، واقترنت بمساعدة المعارضة بوسائل الدفاع والهجوم؛ فإن ذلك يفتح نافذة في الجدار المسدود. ولذلك فإن على دول الجامعة - تبعا لتوجه ائتلاف قوى المعارضة في سوريا - أن تدعم ضربة عسكرية للنظام، ما دامت لا تستطيع التدخل عسكريا بنفسها. وإذا قيل إن إقرار التدخل العسكري الأجنبي في بلد عربي أمر مستنكر، فماذا فعلت دول الجامعة، ودول جوار سوريا لمنع التدخل الإيراني المعلن، ما دامت حريصة على استقلال سوريا وسيادتها. فالتدخل الإيراني يعاقب ويقتل الشعب السوري، ويشرذمه طائفيا.. أما التدخل الدولي فيعاقب في الحد الأدنى النظام على استخدامه السلاح الكيماوي ضد أطفال ونساء وشيوخ البلاد.
عندما كان الأمير سعود الفيصل يتحدث في مجلس الجامعة، ويرد أناس مستنكرين التدخل العسكري الخارجي، بينهم وزيرا الخارجية اللبناني والجزائري - كان عشرات من المصريين من حزب «التجمع»، والحركات «الثورية» الأخرى يتظاهرون أمام الجامعة العربية استنكارا لـ«التدخل العسكري الأميركي». وهؤلاء ما سمعنا منهم طوال عامين ونصف كلمة واحدة عن عمليات القتل وحرب الإبادة الجارية هناك. بل ونحن نعرف أن بعضا منهم هنأوا - نعم هنأوا - الأمين العام لحزب الله وبشار الأسد بالانتصار في معركة «القصير» المجيدة. وصفة «المجيدة» هذه ليست من عندياتي، فقد وصف بها الأمين العام لحزب الله عملية احتلال بيروت عام 2008 من قبل قواته عندما سمى ذاك اليوم: «اليوم المجيد»! ولذا فعندما خرج الأمير الفيصل من مجلس الجامعة، قال للصحافيين إن ما يجري في سوريا شائن أخلاقيا ودينيا، ولا يصح السكوت عنه. فالمؤسف (أيا تكن الأسباب الحقيقية) أن يلجأ الرئيس الأميركي أوباما إلى مسؤوليات أميركا وأخلاقياتها، ومصالحها القومية، في تبرير اعتزامه التدخل في سوريا، ويكون رد فعل عدة دول وعشرات المثقفين العرب، الدخول في جدالات مثل: أميركا شر مطلق، ومثل: المعارضة هي التي استخدمت الكيماوي، وهي ذريعة مؤامراتية لإحلال التدخل الأجنبي! وكنت قد قلت لرجال دين مسيحيين ومسلمين كبار قبل عام ونصف: إن لم تستنكروا ما يجري في سوريا على الناس والعمران لأسباب سياسية أو اقتصادية أو إنسانية، فلا أقل من الاستنكار باسم الدين والأخلاق! والذي ينبغي ملاحظته بالفعل أن عددا معتبرا من اليساريين والقوميين العرب السابقين، لا يزالون مع بشار الأسد. وقد تحدثت إلى عدد منهم ليس باسم الدين، وإنما باسم الأخلاق، فما كان جوابهم إلا أن قالوا إن الثوار هم في الأكثر من الإرهابيين أو من عملاء دول الخليج وتركيا! وقلت: لكن الإيرانيين وحزب الله والعراقيين والروس يقتلون في سوريا! وأجاب أحدهم: وماذا في ذلك إذا كان فيه حفظ لوحدة سوريا وتطهيرها من الإرهابيين! فلا أمل في هؤلاء، ولا في محاولة «اكتشاف» بصيص خلق أو رشد لديهم. بيد أن هذه العقلية «القرمطية» ليست قصرا على عملاء النظام وحلفائه وطائفييه في سوريا ولبنان والعراق والأردن وبين الفلسطينيين وفي اليمن (في اليمن بالإضافة إلى الحوثيين هناك القوميون واليساريون العظام الذين جاء منهم وفد لتحية الأسد بعد ضربه شعبه بالكيماوي. وهؤلاء يربطون وحدة سوريا بوجود الأسد، لكنهم يريدون فصل جنوب اليمن عن شماله!)، بل هي تداخل نفوس بعض الناشطين المدنيين الشبان في حركة «تمرد» وغيرها. وقد ناقشت بعضا منهم فعللوا ذلك بكراهيتهم أميركا وإسرائيل! وقلت: لكن الأسد ما قام بشيء ضد أميركا وإسرائيل، وإنما قتل شعبه، وأنتم الثوريون ما قلتم شيئا طوال أكثر من عامين عن قتل الديكتاتور شعبه.. بل إنكم ما قلتم شيئا أيضا عن التدخل الإيراني العسكري والأمني واستيلائه على سوريا ولبنان والعراق! فكرروا معزوفة العداء لإسرائيل والولايات المتحدة!
ولنعد إلى موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز والمملكة من الأحداث الجارية بمصر، ومن الثورة السورية.. فبعد المواقف السلبية من جانب أوروبا والولايات المتحدة من التغيير بمصر، قال الملك: إن السعودية تقف مع مصر بشتى السبل والوسائل لكي تظل قوية ومستقرة وصانعة أساسية للقرار العربي وللمستقبل العربي. ويومها قال سعود الفيصل: إن موقف خادم الحرمين التاريخي هذا، هو مثل موقف الملك فيصل والسعودية من مصر في عام 1973 عندما قطعت البترول تضامنا مع مصر وسوريا وفي حربهما لاسترداد أراضيهما المحتلة.
ضربة عسكرية غربية ضد سوريا أم لا ضربة؟ ليس هذا هو المهم؛ بل المهم أمران: أن النصاب السياسي والاستراتيجي العربي لا يستقيم دون النصاب الأخلاقي، وأن سوريا هي مثل مصر في أهميتها للهوية العربية والانتماء العربي والمستقبل العربي. وهذان الأمران سبق لوزير الخارجية السعودي أن أكد عليهما بطريقة أخرى بمؤتمر القمة العربية في سرت عام 2010، عندما أبى الدخول في محادثات استراتيجية مع دول الجوار (وبخاصة إيران) ما لم يتوقف التدخل الأمني والعسكري الإيراني في «الخواء الاستراتيجي العربي».
لقد عادت مصر، وتعود سوريا بفضل تضحيات شعبها، ووقوف العرب القومي والأخلاقي والسياسي معها. نحن أولى من الرئيس أوباما بأن نغار على الأخلاق، وأن نخاف على سوريا ونحاول إنقاذها، وسواء أراد الروس والإيرانيون ذلك (أخلاقا وسياسة!) أم لم يريدوا! وبالإذن من أبي الطيب:
وكيف يرجي «الفرس والروس» هدمها
وذا الطعن آساس لها ودعائم