محمد مصطفى أبو شامة
كاتب وصحافي مصري
TT

واحد «داعش».. وصلّحه

أعترف بأني شخص «جبان»، وأن الخوف يسيطر على حياتي منذ الطفولة وحتى «بشاير» الكهولة التي ظهرت مبكرا في أواخر شبابي، وأعترف أيضا وبكل شجاعة أني «زبون» مثالي لأي فعل إرهابي تتخيله أو لا تتخيله، بداية من إطلاق الألعاب النارية في الشوارع والتي يحدث دويها رعبا لا يقل عن دوى انفجارات القنابل، ونهاية بـ«زغرة» زوجتي حين تغضب مني والتي لا تقل قسوة عن نظرة الشاب الداعشي «الوسيم»؛ الذي يتأهب لذبح ضحيته في مشهد تلفزيوني محبوك لبث الرعب في نفوس «الكفار» من عموم المنطقة وما يجاورها من بلاد «الكفر» المحلي والإقليمي والدولي.
وأعترف أيضا وأنا قرير العين ومرتاح البال، أني على الرغم من أني لا أعشق الحياة، فإني أضطرب من سيرة الموت، وأنه على الرغم من تفضيلي للعزلة فإن السجون من الأماكن التي يقشعر من ذكرها بدني.
هذه اعترافاتي التي وجدت أنه من اللائق أن أصارحكم بها قبل أن نتعارف من خلال هذه الزاوية البديعة التي أطل عليكم من خلالها. وهذه الاعترافات - المقدمة - ربما تكون رد فعل طبيعي لمواطن عربي يعيش في هذه المرحلة «المشرئبة» من تاريخنا المعاصر.
وأبدأ اليوم بأن أخبركم بما تعلمونه، وكنت أتجاهله أو أتحاشى التفكير فيه؛ فلقد تحولت حياتنا فجأة ودون سابق إنذار إلى مسلسل متصل من الإرهاب، أو بمعنى أدق في كل حارة تلاقي «داعش» طالع في وجهك، ودواعش الحياة كثر.. يلاحقونك في كل لحظة ويحاصرونك في كل مكان.
تستيقظ على «زغدة» زوجية تذكرك بموعد مدرسة «الولاد»، وتحذرك بلهجة حاسمة (داعشية) من أن يفوتهم «الـBUS» أو يدق جرس المدرسة دون أن تلحقه، هذا إن كنت من عشاق توصيل الأولاد بسيارتك الخاصة، وهي الهواية التي تؤهلك لوظيفة «سائق» ربما تضيق بك الحياة يوما وتضطر إليها أو قد يدفعك مدير جاهل يمارس عليك بعض صنوف «الدعشنة» والإذلال لأن تسبه أو تضربه وتستقيل مضحيا بكل مستحقاتك، فتجد نفسك مجبرا على هذه الوظيفة فعلا، وهذا ما يمكن أن نسميه «الداعش الاجتماعي» وصنوفه كثيرة لو أطلقت العنان لها ما انتهينا.
وما بين خنازير الإنفلونزا وطيورها، وحتى «كورونا» وشقيقتها الـ«إيبولا»، أنت محاصر في بلدك وبلاد الآخرين وكل مطارات العالم، أسيرا لـ«داعش الطب وفيروساته»، يطاردك رذاذه في كل مكان حتى تشعر في لحظة أنك يجب أن تتوقف عن التنفس كي تتجنب الإصابة.
أما داعش المواصلات فبلادي – ولا فخر - حائزة المركز الأول في حوادث الطرق. في مصر المحروسة، دواعش كثيرة تنتظرك في الطريق وأنت ونصيبك، إن كنت راكبا أو سائرا فالمصير واحد مع السرعة الجنونية وغياب ضوابط وآداب السير في الطريق، وإن أكرمك الله ووصلت سالما إلى وجهتك، فستجد «نطعا» ينتظرك يدعي عمله في وظيفة «منادي سيارات» ولكي تركن سيارتك عليك أن «تدفع»، وإن ترددت فتأكد أنك ستعود لتجدها وقد أصابتها «بعض» التلفيات لزوم تمنعك عن تسديد الإكرامية أو بمعنى أدق «الإتاوة».
هذا قليل من كثير يواجهني ويواجه كثيرين في حياتهم اليومية من إرهاب «داعشي» متصل، تخيلت مرة – لسذاجتي - أنه يمكن أن ينتهي عندما أضع جسدي على الفراش لأخلد إلى نوم هادئ، لكن ما إن تصعد روحي إلى بارئها لحظيا في موتتي الصغرى حتى ترتد مسرعة على صرخات صغيري، الذي ينهض كل ليلة مفزوعا ومتخيلا أن «قطة» تطارده، وبعد أن أحتضنه وأهدئ من روعه أنظر إليه في حسرة وأبتسم من « الداعش الـBaby»، الذي يختم يومي ويحرمني من النوم حتى الصباح.