نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

فلسطين.. والإلهام التونسي

تبادل الفلسطينيون التهاني، بنجاح الانتخابات التشريعية في تونس، قبل أن تعلن نتائجها الرسمية.
ولقد فعلوا ذلك بدافع من التأثير التونسي العميق في خياراتهم السياسية منذ عهد الراحل الكبير الحبيب بورقيبة، وعلى المدى الزمني الطويل، الذي عاشت فيه قيادتهم على أرض تونس، وفي كنف مجتمعها الحضاري المنفتح، إلى أن غادروها إلى أرض الوطن، حيث قال شاعرهم الأكبر محمود درويش «إنه البلد الوحيد الذي لم نخرج منه مطرودين».
في بدايات الثورة الفلسطينية التي قادها الراحل الكبير ياسر عرفات، دخل إلى الوعي الفلسطيني ذلك «المحرّم» في حينه والاستراتيجي في ما بعد، وهو التدرج في بلوغ الهدف. كانت توجيهات ونصائح المجاهد الأكبر، رغم رفضها في وقت ما وحتى التظاهر ضدها، هي حجر الأساس لخيارات الثورة الفلسطينية التي اتجهت إلى الواقعية السياسية بعيدا عن الشعارات التي كان يصفها بورقيبة «بالمستحيلة»، فكان برنامج النقاط العشر الشهير بمثابة استجابة للفكرة البورقيبية، وكان خيار إقامة السلطة الوطنية على أي شبر يندحر عنه الاحتلال وتنفيذ هذا الخيار هو إلهام تونسي - بورقيبي بامتياز.
ولم يكن بمحض الصدفة أو التداعيات التلقائية لتطور الفكر السياسي الفلسطيني أن تكون معظم الفعاليات الفلسطينية ذات المغزى قد تمت في الحقبة التونسية من «الدياسبورا الفلسطينية».
ومن على أرض تونس.. أطلق الشهيدان أبو عمار وأبو جهاد فعاليات الانتفاضة الكبرى، وعلى أرضها في ذات الوقت جرى أول حوار فلسطيني أميركي، شكل اختراقا نوعيا لجدار العزلة الدولية والأميركية بالذات.
كان ذلك قبل أن تستدعي تونس - بحسن نية ووعي جمعي نادر - الربيع العربي، لتلهم بطموحاته المشروعة شعوب الأمة بأسرها، فحدث ما حدث في المحيط العربي، ولنترك للتاريخ أن يقول رأيه في ما جرى بصورة نهائية.
أما تونس، فقد كانت الأفضل في التعاطي مع الربيع الذي استحضرته، وذلك بفعل الكم والنوع الهائل من المستنيرين الطليعيين في مجتمعها الأكثر انفتاحا من أي مجتمع عربي آخر، إضافة إلى متانة قوى وتقاليد المجتمع المدني الذي بدا، وعلى نحو مبكر، عصيا تماما على استنساخ الديكتاتورية والظلامية واحتكار السلطة من طرف واحد. وهنا يظهر الإلهام الأعمق والأكثر ضرورة للفلسطينيين.. الذين أدّى الإسلام السياسي في بلدهم ومجتمعهم المنكوب لتجربة مأساوية. ففي زمن نهوضه انقسم الوطن الفلسطيني بما هو أعمق وأخطر من انقسام القوى السياسية، وفي زمنه كذلك ظهرت كارثة الأثمان الباهظة التي دفعها الفلسطينيون لقاء الاستئثار بالسلطة كمقدمة للاستئثار بالقرار ثم المصير.
كانت تجربة الإسلام السياسي في فلسطين أكثر من فاشلة، دون أن نتجاوز فشل المناوئين لها في التعاطي معها، بما في ذلك تمهيد الطريق لنهوضها وتكريسها.
ولقد آن الأوان لأن يقرأ الفلسطينيون قبل غيرهم ما حدث في تونس على مدى السنوات الثلاث الماضية، وأن يستوعبوا دروسه البليغة؛ وأولها أن الإسلاميين في تونس رغم تراجع عدد نوابهم في البرلمان فإنهم تقدموا في الحقيقة بالمشاركة الفعالة في الحياة السياسية التونسية، وهو ما أجتهد في اعتباره ضمانة لبقائهم وفاعلية تأثيرهم في بلد يعشق التعددية والانفتاح ويقدر على حمايتهما.
وهذا الدرس ينبغي أن يوضع أمام حماس في غزة، وهي الأكثر حاجة لاقتفاء أثر مرونة الغنوشي، والحذو حذوه في أمر السلطة، فالمشاركة ضمانة للجميع والاستئثار مقتلة لمن يعتنقه، واسألوا «الإخوان» في مصر.