نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

حماس وفتح..ما يجمع وما يفرق

نظريا ومنطقيا.. فإن ما يجمع حماس بفتح، أهم وأعمق بكثير مما يفرقهما؛ فالحركتان تعيشان في حاضنة واحدة، وينتسبان وطنيا لقضية واحدة، ويواجهان على الأرض عدوا واحدا، وفي كل حركات التحرر التي انتصرت، كان ما يجمع دائما أكبر بكثير مما يفرق، ولكن عند الفلسطينيين يبدو أن الأمر مختلف، ذلك أن ما يفرق بين الحركتين المناضلتين يبدو هو العامل الأهم في تشكيل العلاقات بينهما، وأن ما يفترض على أنه أولوية الأولويات أي الإطار الوطني، فقد انحدر إلى الهامش لتحل محله الأجندات الخاصة، وهنا يجدر الحديث تفصيلا وبصراحة عما يفرّق.
أولاً: السلطة..
رغم كل الأغلفة السياسية والدعائية التي يستخدمها الطرفان في تفسير مواقفهم وتسويقها، إلا أن جوهر الصراع كما هو ثابت منذ بداياته حتى الآن هو السلطة، وليس أدل على ذلك من أن حركة حماس التي اعتبرت أوسلو وما أفرزته من نتائج وأهمها نشوء السلطة الوطنية، على واحد في المائة من أرض الضفة الغربية وغزة، اعتبرته خيانة وطنية وانحرافا مروعا عن الأهداف الحقيقية للشعب الفلسطيني، وما إن مرت سنوات قليلة على هذه «الخيانة الوطنية» حتى ركزت حماس كل اهتمامها من أجل الحصول على السلطة، ولم تتورع عن استخدام نتائج أوسلو وآلياتها من أجل الوصول إلى السلطة، وهذا ما حدث فعليا على مدى العقدين الماضيين.
أما فتح التي أدمنت السلطة في زمن الحرب والسلام، فقد أحبطها ضياع السلطة من يدها عبر انتخابات حرة ونزيهة، فلم تجد مفراً من التسليم الجزئي بما حدث مع احتفاظها بنفوذ يكاد يكون مطلقاً في الضفة الغربية.
وفي كل الحوارات التي دارت بين فتح وحماس كانت كل المواضيع التي تبدو أساسية تأخذ القليل من الوقت، أما موضوع السلطة فكان دائما هو الأساس، وهو منبع الاختلاف حدّ الوصول إلى حافة الاقتتال.
ثانيا: القرار السياسي..
حين وجدت حماس نفسها صاحبة أغلبية برلمانية في الضفة والقطاع، يممت وجهها نحو منظمة التحرير، ولم تألُ جهدا في محاولة تكييفها على نحو يهيئ لها إمكانية اتخاذ القرارات السياسية عبرها، فعملت على استبدال وثائق موازية ببرامج المنظمة، كما سعت إلى احتواء المنظمة من خلال هيئات ومجموعات عمل تكون صاحبة سلطة قرار أعلى من السلطة التقليدية للمنظمة.
أما فتح فقد انساقت جزئيا إلى سيناريوهات حماس محاولة مع الفصائل الأخرى احتواء الحركة الإسلامية في إطار منظمة التحرير، لعلها بذلك تدخلها الحياة السياسية الدولية كجزء من المنظمة التي اعترفت بإسرائيل وتسعى لإبرام تسوية معها.
لم تنجح حماس في مخططها حيال منظمة التحرير وظل الوضع الفلسطيني مزدوجا من حيث السلطة والقرار السياسي.
ثالثا: التحالفات..
ربطت حماس نفسها في تحالف معلن مع تركيا وقطر، وضحّت بتحالفها الذي يفترض أن يكون الأهم مع سوريا وإيران وحزب الله، ومع أن التضحية بالتحالف مع سوريا أسهم بصورة فعالة في إضعاف الحركة على الصعيد الفلسطيني، إلا أنها حاولت التعويض بتطوير إمكاناتها الذاتية على أرض غزة، والاعتماد المطلق على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وتركيا وقطر، إلا أنها وجدت نفسها في تناقض ظاهر مع تحالف انتمت إليه «سلطة رام الله» وهو التحالف الأكثر تأثيرا على الأرض، إذ تبخر حكم الإخوان في مصر، وجاء بديلا عنه حكم يرفض الإخوان، ولسوء حظ حماس أن الحكم الجديد في مصر له سطوة لا تبارى في كل ما يخص غزة.
أما فتح.. التي قرأت وضع حماس التحالفي بصورة صحيحة، مما دفعها إلى التسرع في إنجاز المصالحة ولو بصورة سطحية استعراضية، مراهنة على أن ضعف حماس التحالفي سوف يرغمها إن عاجلا أو آجلا على عودة اضطرارية تحت أجنحة سلطة رام الله، إلا أن فتح التي فكرت بهذه الطريقة كانت متسرعة في بلورة رهانات غير مضمونة على ضعف حماس، فإذا بالحركة المحاصرة في جغرافيا غزة الضيقة، تستثمر المصالحة بفاعلية أكثر مما استثمرتها فتح، فكان أن رأينا تطبيق المصالحة عمليا بأنها مجرد تنازل من حماس عن الواجهة لمصلحة تعظيم التأثير على مجريات الأمور، ولعل هذا ما دفع الرئيس عباس، إلى إظهار أقصى درجات الغضب في حواره مع خالد مشعل في رحاب أمير قطر.
إذن، فإن الأمر الأساسي الذي يجمع صار ثانويا أمام الذي يفرق، وها نحن نشهد حالة مرضية تهيمن على الوضع الفلسطيني، من شأنها إضعاف الطرفين أمام الخصم الواحد، وتقوية طرف على الطرف الآخر في الحاضنة الفلسطينية الواحدة.
وهذا هو الانقلاب الحقيقي في الوضع الفلسطيني، ولا أغالي لو قلت إن استمرار هذا الوضع مع استمرار تعنت الحكومة الإسرائيلية بأمر التسوية مع الفلسطينيين، سوف يؤدي إلى إرهاق الفلسطينيين المرهقين أصلا، وإلى إرهاق حلفاء كل طرف فضلا عن تقويض أية احتمالات لتأسيس مسار سياسي يؤدي إلى حل.