تيلر كوين
TT

بريطانيا... وضع مربك

تحمل الدولة تاريخاً طويلاً من النفوذ الأوروبي، وهي الرؤية المطلوبة لمحادثات الخروج البريطاني.
تصور أن أحد القادة الأوروبيين غزا إنجلترا وخلع الرئيس الشرعي للدولة، وترك رجلاً هولندياً على رأس السلطة. وإذا كنت لا تعرف ما هو أفضل من ذلك، قد تعتقد أن هذا كاريكاتير مفرط في السذاجة، عما كان من المفترض أن يجلبه الاتحاد الأوروبي على الشأن البريطاني، على الأقل قبل الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، كانت هذه القصة تبدو أسوأ بكثير من اللوائح والضرائب أو غير ذلك من عمليات التخريب والبيروقراطية التي فرضتها بروكسل على المملكة المتحدة حتى اليوم.
ومع ذلك، فإن السيناريو المذكور يشير إلى عام 1680 عندما عبر ويليام أورانج، المولود في لاهاي وكان يتحدث اللغة الهولندية، بحر المانش على رأس جيش من هولندا، ونفى الملك جيمس الثاني الإنجليزي الأصل والكاثوليكي الديانة.
بصرف النظر عن الجانب الذي سوف تتخذه حيال هذا النزاع التاريخي، فهي من الأحداث الأساسية في تاريخ بريطانيا. وبعد كل شيء، فإنهم يسمونها الثورة المجيدة، ولقد ساعدت في تمهيد الطريق أمام إنجلترا واسكوتلندا لبناء الإمبراطورية بمساعدة الشعب، والقوات البحرية القوية، والبروتستانتية، وفي خاتمة المطاف الثورة الصناعية، والمجتمع الاستهلاكي.
وأحد الدروس، الذي يتجاهله مؤيدو الخروج البريطاني، هو أن التدخل الأوروبي جزء من صناعة بريطانيا على وضعها الحالي. (ولا ننسى حكام هانوفر الناطقين باللغة الألمانية في القرن الثامن عشر أو الغزو النورماندي). وبعبارة أخرى، فإن الرؤية القاصرة لا تكشف على الدوام عما هو إنجليزي أو بريطاني أو قومي حقا وفعلا.
وتساعد النقطة الثانية والعميقة في تفسير سبب قوة وأهمية الارتباط بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. بعد أكثر من عام على الاستفتاء الشهير، تبدو الخيارات المطروحة ضعيفة للغاية. فالحكومة في حالة من الفوضى، مع حزب المحافظين الذي يعقد صفقة سياسية يوم الاثنين مع الحزب الديمقراطي الاتحادي لتشكيل حكومة ذات أغلبية طفيفة. والموقف التفاوضي للاتحاد الأوروبي هو موقف الطرف الواثق تماما بقراره النهائي. وأصبح الجمهور البريطاني حاليا رافضا لخيار الخروج الصعب من الاتحاد الأوروبي - الأمر الذي سوف يؤدي إلى توقف مفاجئ - ولكن يتعين على البلاد العمل بجدية أكبر للحصول على الوضعية نفسها التي تحظى بها النرويج أو سويسرا، اللتان لا تزالان مرتبطتين باللوائح الأوروبية الصارمة وتسددان الأموال بانتظام إلى بروكسل، ولكن من دون مقعد واضح على المائدة الأوروبية عندما يتعلق الأمر بصياغة اللوائح أو القوانين. فمن سوف يصوت أو يقاتل من أجل هذا الهراء؟
ومع ذلك، فإن الخروج أصبح عسيراً للغاية، وقد يعبر جزئياً عن الرغبة في الخروج الفعلي من الاتحاد. وفي الحالات الأكثر تعقيدا لما يتعلق بالخروج البريطاني، فليس هناك حل مقبول لمعضلات المفاوضات المقبلة. بل إن كثيرا من مؤيدي الخروج يظنون أن الثقافة الوطنية والنظام القانوني في حاجة إلى أن يلعبا دورهما المنتظر. وفي كل الأحوال، فإنهم يعتقدون أن إنجلترا على وجه التحديد لا يمكنها أن تضطلع بالدور القاري الذي يتوهمون. وما يبدو أنه من الصفقات الرائعة - التجارة الحرة من دون اليورو - كان يُنظر إليها في واقع الأمر كمثل حصان طروادة لاختفاء الميزة البريطانية المتفردة. وبمرور الوقت، سوف تتصادم مخالفات وحوكمة القوانين الأوروبية أكثر فأكثر مع المؤسسات والثقافة العامة في المملكة المتحدة، ولا بد من التنازل بدرجة من الدرجات. فلا بد للقانون والثقافة في نهاية المطاف أن يكونا متطابقين، ولكن القوى القانونية والبيروقراطية في الاتحاد الأوروبي سوف تنمو حتميا، وسوف تصطدم في النهاية مع فكرة بريطانيا بوصفها دولة متميزة ومستقلة. فالقانون والثقافة لا يمكنهما الانفصال إلى ما لا نهاية.
لقد كنت مؤيدا بقوة للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، ولكنني لا أصف المؤيدين للخروج بأنهم حفنة من الناخبين الجهلاء أو ضحايا العولمة البغيضة. بل على العكس مما يعتقده الجميع، إن أدنى المؤيدين للخروج ثقافة وتعليماً هم الذين يحملون المنظور التنظيري والتاريخي لدعواهم. وهذا لا يُظهر أبدا أنهم منذ البداية تلقوا وعوداً براقة بروابط أقل قوة مع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن حالة فقدان الثقة تجعل من الشكاوى الحالية كافة أكثر تأثيرا وقوة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»