يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأول رحلاته الخارجية، وفي ضوء ما يحدث في واشنطن الآن، وقد أدلى الرئيس ترمب بتصريح تناول فيه رحلته للشرق الأوسط كأول رحلة له خارج الولايات المتحدة، ولم يكن يشير إلى أهمية تلك المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فحسب، بل أراد أن يبعث برسالة تؤكد أنه يختلف كلياً عن سلفه الرئيس السابق باراك أوباما.
الأمر ليس غريباً بالنسبة للإدارات الجديدة أن تحاول إظهار اختلافها عن سابقتها، حيث يبحث كل رئيس تقريباً عن طريقة يظهر بها اختلافه عن سلفه. وبكل تأكيد، وفي حالة الرئيس دونالد ترمب تحديداً، يستطيع أي شخص ملاحظة ذلك في جميع المجالات سواء فيما يخص السياسة المحلية أو الدولية، لكن الزيارة هذه يبدو أنها ستكون الأبرز.
فعلى عكس الرئيس أوباما، فإن الرئيس دونالد ترمب لن يدور حول محور آسيا، وسيصرح بأنه سيقف إلى جانب أصدقاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، ولن يخجل من التنديد بسلوك الإيرانيين السيئ. كل ما قيل يندرج ضمن الأخبار السارة للدول العربية، إذ أنها لاحظت أن الرئيس أوباما كان يتنصل من مسؤوليات الولايات المتحدة الأميركية تجاه المنطقة، والعرب اعتقدوا أن باراك أوباما كان يرى إيران كجزء من الحل لمشكلات المنطقة، لا كمصدر للمشكلات.
الواضح أن دونالد ترمب ليس باراك أوباما، لكن الشيء غير الواضح هنا هو الإستراتيجية التي تتبعها إدارة الرئيس ترمب في تعاملها مع المنطقة. فهل ستتجلى ملامح هذه السياسة خلال هذه الرحلة؟ من السابق لأوانه معرفة ذلك، ولكي أكون عادلاً، فالرحلة نفسها قد تكون إحدى لبنات بناء إستراتيجية تلك المنطقة. ولكي تكون مؤثرة، يجب أن تجدوا استراتيجية الإدارة قادرة على مواجهة إيران واستخدامها لميليشياتها في المنطقة، وليس فقط مواجهة «داعش». وعلى هذه الإدارة مواجهة الأسد وسوريا، وليس فقط مواجهة «داعش» في الرقة، ويجب أن تكون للإدارة خطة لما سيأتي بعد «داعش» في الرقة والموصل، ويجب أن تضع هذه الخطة في الاعتبار إعادة البناء، والحكم، والأمن، ومنح حق التصويت للسنة المقيمين في هذه الأماكن وحمايتهم من الإقصاء الطائفي.
لو أن هناك وقتاً لاجتذاب دعم السنة سواء الموجودين داخل المنطقة أو خارجها، فسوف يحسم الأمر. ومن دون شك، فهذا جزء من أجندة ترمب لهذه الرحلة، فقد تحدث عن خطته «لتدمير داعش والقضاء عليها»، لكن هذا يتطلب استخدام أكثر من مجرد استخدام القوة العسكرية، حيث يجب القضاء على هذا التنظيم كفكرة وكعقيدة بتغيير القناعة الداخلية لكل فرد، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة فعله. العالم الإسلامي وحده يستطيع ذلك، وربما هذا هو السبب في أنه يعتزم إلقاء كلمة بهذا الخصوص خلال زيارته هذه.
سيصل ترمب للعالم الإسلامي بكلمته التي سيلقيها هناك وسيدعوهم وسيدعو قادتهم المجتمعين إلى العمل على كشف مساوئ تنظيم «داعش» وإدانة عقيدة وفكر الإقصاء، وعدم التسامح والكراهية التي يعمل على نشرها هذا التنظيم. وسيكون رائعاً لو أن ترمب استطاع دعوة الزعماء المجتمعين في السعودية إلى دعم ليس فقط المؤسسات الدينية التي تتولى تدريب الدعاة والأئمة على تحدي تفسيرات تنظيم داعش، بل أيضاً إلى دعوة القادة إلى العمل على دعم الأصوات التي تعارض المتطرفين.
فالإسلام أحد أعظم الأديان في العالم، وسوف يؤكد الرئيس على احترامه لهذا الدين بكل تأكيد، وسوف تتركز رسالته على محاربة وفضح المتطرفين، سواء سنة أو شيعة، الذين لا يعملون على نشر الدين، بل نشر آيديولوجيتهم التي لا تخدم الدين لكنها تخدم وتعزز نفوذهم.
ربما تركز أجندة ترمب خلال الرحلة على ثلاثة موضوعات أخرى:
أولاً، العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولذلك فنحن نتوقع سماع إعلانات عن تعزيز الروابط الأمنية، والتعاون العسكري، وإبرام صفقات السلاح للتعامل مع التهديدات في المنطقة وعن بذل المزيد من الجهود لبناء شراكة تجارية وتعزيز الاستثمارات المشتركة. كذلك على الإدارة الأميركية القيام بما عليها لإنجاح برنامج رؤية السعودية 2030، ليس فقط بسبب المصالح المشتركة بيننا، ولكن لأن الشرق الأوسط العربي في حاجة لأن يرى نموذجاً ناجحاً في التنمية والحداثة.
ثانياً، خلال لقاء الرئيس ترمب مع زعماء دول الخليج تحديداً، نتوقع التأكيد على تحقيق التكامل بين القدرات الدفاعية لدول المجلس، حيث إن قدرات النظام الدفاعي للصواريخ الباليستية سيفي باحتياجات جميع دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التهديدات الإيرانية المتزايدة، والشيء نفسه ينطبق على التعاون في الدفاع عن البنية الأساسية في جميع أنحاء المنطقة، وفي تلك المنطقة تحديداً.
ثالثاً، في ضوء اهتمام الرئيس بتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يقول إنه «القضية الأهم»، فمن المتوقع أن يثير ترمب هذا الأمر خلال زيارته الحالية، وأيضاً خلال زيارته التالية إلى إسرائيل وللسلطة الفلسطينية. وفي هذا المرحلة، من المرجح أن يستغل ترمب هذه الرحلة ليس فقط لتأكيد التزامه بالسعي لحل الصراع، لكن لجعل جميع الأطراف تدرك أن إدارته لن تتحرك وحدها من دون مساعدة جميع الأطراف، إذ أن جدية مساعي الإدارة الأميركية تعتمد على بذل جهود متزامنة من جميع الأطراف. فهل سيوضح للإسرائيليين وللفلسطينيين وللعرب خلال الرحلة ما يتوقعه من كل منهم؟ هل سيطلب من كل طرف اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الوقت لكي يظهروا التزامهم بعملية السلام؟
يجب ألا يُفاجأ أحد بالمنطقة بأن ترمب يجب عليه في مرحلة ما أن يطلب من كل طرف أن يتخذ خطوات حقيقية وصعبة، لأن تحقيق السلام لن يكون ممكناً من دونها.
TT
زيارة ترمب... استراتيجية مواجهة إيران و«داعش»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة