د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

إيران وانتخابات ولاية الفقيه

الانتخابات الإيرانية بين ترشح متشدد وإصلاحي ويتوسطهم ثالث بلقب «محافظ»... توصيفات ثلاثة لتوصيف مرشح واحد طالما تدور ضمن دائرة إعادة انتخاب وإنتاج «الفقيه الولي» فلا يمكن انتظار تغيير الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي منها، حتى إن حملت شعاراً إصلاحياً أو محافظاً كنسخ معدلة للمتشدد، وإلا فكيف يمكن لتلك الجماهير «العريضة» أن تعيد ترشيح مثل نجاد، وهو يمثل واجهة الحكم الثيوقراطي وسياسات الفقر والبطالة والقمع، وحتى من وصف سابقاً بالإصلاحي محمد خاتمي لم يستطع تقديم أي خطوة إصلاحية في ظل مؤسسة ولاية الفقيه.
الفئات المشاركة في الانتخابات الإيرانية تمثل في المقام الأول الشباب، الذين كانوا دائماً خارج لعبة رجال الحوزة، فالانتخابات بصيغتها وآليتها الحالية لا تحقق أي جدوى في التغيير في ظل النظام الحالي، بسبب ضعف وعيوب النظام الانتخابي، وهذا ناتج عن قصور أو تضييق في مواد الدستور التي كتبت بشكل انتقائي، بحيث إنه لا يجوز لشخص من غير الطائفة الشيعية التقدم للانتخابات الرئاسية، وبذلك تهميش الطوائف الأخرى وعلى رأسها المسلمون السنة، بل حرمان حتى القوميات الأخرى غير الفارسية من الترشح للرئاسة، في محاولة لإضفاء الصبغة الفارسية «الخالصة» على إيران بعد أن ابتلعت دولة الأهواز العربية التي تجد ذكرها في كتابي: «البداية والنهاية» و«تاريخ الطبري»، فجاء في «لسان العرب»: «الأهواز هي سبع كور بين البصرة وفارس، لكل واحدة منها اسم، وجمعها الأهواز أيضًا». وذكرها جرير بن عطية بقوله:
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم
ونهر ثيرى فلم تعرفكم العرب
المرشح الرئاسي في إيران يجب أن تتوفر فيه شروط «دينية» يحددها المرشد الأعلى ومجلس الوصاية على الدستور، ولذلك تم انتقاء عدد المرشحين من بين من تقدموا للترشيح للرئاسة، رغم أن دوره ما هو إلا مجرد واجهة تنفيذية لأوامر الفقيه صاحب السلطة الحقيقية؛ المرشد الأعلى ومجلس الوصاية هما المصادقان على الانتخابات، وهما يؤمنان بولاية الفقيه بحيث تكون إدارة الشؤون الدنيوية للناس من واجبات الفقيه وتكون القيادة للولي، وهو - كما ينص الدستور الإيراني - «ظل» الله في الأرض.
في الانتخابات الإيرانية يتم تسجيل الناخبين وأهلية أي شخص للاقتراع بواسطة شهادة الميلاد، وتكتفي المراكز الانتخابية بتسجيل الشهادة دون التحقق من «سلامة» الشهادة، كما أن النظام الانتخابي الإيراني لا يلزم الناخب بالتوجه إلى دائرة انتخابية معينة كمكان سكنه مثلاً، ولا توجد آلية واضحة لمراقبة سلامة الإجراءات.
مطلب التغيير في إيران عبر انتخابات بشروط ولاية الفقيه شبه مستحيل، رغم الإعلان الشكلي دائماً عن مرشح متشدد وآخر إصلاحي، فإن أي أمل في التغيير أمام حائط ولاية الفقيه «الدستوري» يجعل الأمل في التغيير شبه مستحيل، رغم هذا الزخم الانتخابي وهذا الحشد الشعبي وخروج الناس للشارع للانتخاب.
فلجنة المصادقة على النتائج هي مؤسسة الفقيه نفسه، أي «أنت الخصم والقاضي»، وبالتالي لن تسمح بمرور أي نتيجة ليست في صالح ولاية الفقيه عبر مجلس الوصاية على الدستور.
«الديمقراطية» على الطريقة الإيرانية المحكومة بمرجعيات ودستور ومجالس لا تعترف بالديمقراطية أصلاً، تجعل الشارع لا ينتخب، إنما تنتخب الصفوة وأصحاب النفوذ، وبذلك ينتخب الرئيس نفسه مرة ثانية وثالثة ورابعة، ولكن بصور مختلفة الشكل متطابقة المضمون وقد تتكرر الصورة والمضمون، الذي يختزل إيران في خطاب إمبراطوري فارسي متعالٍ، جعل تصرفها كطائفة دينية بدلاً من التصرف كدولة بالمفهوم الجيوسياسي تتحقق فيها اشتراطات المواطنة للجميع.