على الرغم من الجهود العظيمة التي يبذلها «جهاز العلاقات العامة» في البيت الأبيض للتسويق لنجاح المائة يوم الأولى من ولاية الرئيس، أعلنت صحيفة «نيويورك تايمز»، في مقالة افتتاحية، أن الإدارة الأميركية الجديدة، في واقع الأمر، تعاني كثيراً من الأخطاء، بما في ذلك «الفشل الذريع» في أولى مبادراته التشريعية الرئيسية، وعملية التأكيد «الأفعوانية»، التي في مجموعها أسفرت عن «مجموعة من المسائل والموضوعات التي أربكت تركيز البيت الأبيض تماماً». فالمائة يوم الأولى، كما قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، هي الفترة التي سوف يفضل الرئيس الأميركي نسيانها تماماً.
ولكن الرئيس الذي نتحدث عنه في هذه السطور السابقة ليس هو دونالد ترمب. بل كانت هذه هي الطريقة التي وصفت بها صحيفة «نيويورك تايمز»، في أبريل (نيسان) من عام 1993، المائة يوم الأولى من رئاسة السيد بيل كلينتون للولايات المتحدة.
لقد أنجز ترمب شيئاً أكثر أهمية خلال المائة يوم الأولى من رئاسته من أي رئيس آخر في الذاكرة الحديثة للأمة الأميركية، وكانت الإنجازات التي حققها الرؤساء السابقون على السيد ترمب إنجازات عابرة، فلقد نسي الجميع خطة التحفيز التي وضعها الرئيس باراك أوباما (مع الوعد الكاذب بفرص العمل الجاهزة). ولم يوقِّع جورج دبليو بوش على التخفيضات الضريبية حتى شهر يونيو (حزيران) من رئاسته للبلاد، ولقد عمد خليفته إلى إلغائها بصورة جزئية. ولكن نجاح الرئيس ترمب في تعيين القاضي غورسوتش البالغ من العمر 49 عاماً في المحكمة العليا سوف يكون له تأثير كبير على توجهات بلادنا لجيل كامل قادم. وفي واقع الأمر، يمكن للسيد ترمب أن يحتسب كل قرار على مدى العقود الثلاثة المقبلة، الذي ينحدر في مسار المحافظين، بأنه أحد أهم إنجازاته خلال المائة يوم الأولى من توليه الرئاسة. ولا يمكن لأي رئيس في الفترة الزمنية الحديثة أن يزعم أن له ذلك النوع من التأثير المستدام، وفي ذلك الوقت القصير للغاية.
ولقد تمكَّن الرئيس ترمب من فعل شيء في المائة يوم الأولى لم ينجح سلفه في فعله خلال فترة ولايته الثانية بأكملها؛ فلقد فرض خطوط أوباما الحمراء ضد استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية. عندما استخدم بشار الأسد غاز الأعصاب القاتل ضد الرجال، والنساء، والأطفال الأبرياء، لم يُضِع السيد ترمب الفرصة. ولقد تصرف بكل سرعة وبكل حسم، ولقد نجح في استعادة المصداقية الأميركية جراء ذلك على المسرح العالمي، التي كان أوباما قد بدَّدَها من قبل. ولقد أكد على هذه الرسالة القوية بإسقاط «أم القنابل» على مخبأ تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان، ومن خلال إرسال حاملة الطائرات الضاربة «كارل فينسون» (بعد التفافة قصيرة قامت بها قبالة السواحل الأسترالية) إلى شبه الجزيرة الكورية. وربما أن قراره بتوجيه الضربات الصاروخية ضد نظام بشار الأسد في توقيت اجتماعه مع الرئيس الصيني قد مهّد للرئيس ترمب الطريق لإنجاز شيء فشل ثلاثة رؤساء أميركيين سابقين في إنجازه من قبل: إشراك الصين في الجهود الحقيقية لممارسة الضغوط على كوريا الشمالية بشأن برنامجها النووي.
تلك الإنجازات وحدها تجعل من المائة يوم الأولى لرئاسة ترمب فترة ناجحة بالتأكيد. ولكنه يمكنه أيضاً الإشارة إلى إنجازات أخرى، مثل مشروع قانون التحفيزات الاقتصادية في صورة 13 قراراً رئاسياً بعدم الموافقة على إلغاء اللوائح التي أقرتها إدارة الرئيس الأسبق أوباما.
ويقول النقاد إن إلغاء قرارات الإدارات السابقة لا يمكن اعتباره من الإنجازات التشريعية. أجل، إن الأمر كذلك فعلاً. إن إلغاء الستائر الرطبة من اللوائح العقيمة التي تخنق نظامنا الاقتصادي من الأمور بالغة الأهمية في خلق فرص العمل في الولايات المتحدة - والسيد ترمب يتصرف بكل حسم لتنفيذ ذلك.
وبطبيعة الحال، هناك الكثير مما يمكن فعله. والتاريخ لا يحكم على الرؤساء بما أنجزوه في المائة يوم الأولى من توليهم الرئاسة. بل يحكم التاريخ عليهم بما أنجزوه خلال فترتهم الرئاسية بالكامل. وبالنسبة إلى الإصلاح الضريبي، ينبغي على السيد ترمب تعلُّم الدرس من الجهود الفاشلة لإلغاء برنامج «أوباماكير» للرعاية الصحية: كانت فرصته للنجاح في ذلك جيدة إذا كان استغرق الوقت الكافي، ونفَّذ الأمر بطريقة صحيحة. لم يوقع جورج دبليو بوش على قانون «عدم التخلي عن الأطفال» حتى شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2002، أي بعد ما يقرب من مرور عام كامل من توليه رئاسة البلاد. كما لم يوقع باراك أوباما على مشروع قانون الرعاية بأسعار معقولة حتى شهر مارس (آذار) من عام 2010، أي بعد مرور 14 شهراً كاملة من توليه رئاسة البلاد.
وبعبارة أخرى، لا داعي أبداً للاستعجال. ولذلك ينبغي على الرئيس ترمب التوقف عن محاولة الإسراع في تحقيق الإنجازات قبل مرور المائة يوم الأولى من رئاسته، لأنه إن استمر في ذلك، فلن يُنجِز شيئاً. فهو لا يزال رئيس الولايات المتحدة في اليوم 101 من الرئاسة. ولا يزال المعسكر الجمهوري يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس.
لقد أنجز الرئيس ترمب كثيراً من الأشياء الكبيرة، ولا يزال أمامه كثير من الوقت لإنجاز كثيرٍ من الأشياء الكبيرة.
* خدمة «واشنطن بوست»