طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

سوريا... وماذا عن إسرائيل؟

رداً على الهجمة الأميركية الصاروخية على مطار الشعيرات العسكري التابع للنظام الأسدي، أعلن ما يسمى «مركز القيادة المشتركة» الروسية - الإيرانية - الأسدية، وتحالف لجماعات مسلحة أخرى من ضمنها «حزب الله» الإرهابي، أن هذا الهجوم الأميركي تجاوز «الخطوط الحمراء»، و«من الآن وصاعداً سنرد بقوة على أي عدوان، وأي تجاوز للخطوط الحمراء»، ويضيف البيان أن «أميركا تعلم قدراتنا على الرد جيداً».
حسناً؛ ماذا عن الضربات الإسرائيلية في سوريا، التي استهدفت نظام الأسد، مطولاً، كما استهدفت «حزب الله» الإرهابي، وصفّت له قيادات هناك، كان أبرزهم سمير القنطار، الذي قتل في غارة إسرائيلية استهدفت مبنى سكنياً بجرمانا، إحدى ضواحي دمشق؟ وماذا عن التهديد الإسرائيلي الأخير لمجرم دمشق، وسفاحها، بشار الأسد، الذي جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي في 19 مارس (آذار) الماضي، حيث حذر من التعرض للطائرات الإسرائيلية التي تطير في قلب الأراضي السورية، بالقول: «المرة المقبلة التي يستخدم فيها السوريون أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بهم ضد طائراتنا، فسنقوم بتدميرها دون تردد»؟ فهل الضربات، والتوغل الإسرائيلي، في عمق الأراضي السورية، واستهداف «حزب الله» وقياداته هناك، أمر مسموح، بينما الهجوم الأميركي يعد خطاً أحمر؟
الأكيد أن بيان ما يسمى «مركز القيادة المشتركة» ما هو إلا لعبة شعارات، وعملية تنفيس، وحفظ لماء الوجه، وتحديداً لنظام الأسد الإجرامي، وكذلك للإيرانيين، وأيضاً «حزب الله»، ولذا لم تسعَ روسيا لترويج هذا البيان في إعلامها الرسمي، ولم يصدر عن جهة روسية رسمية، مثل الكرملين، حتى كتابة المقال، بل إن البيان الصادر عن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الروسي ونظيره الإيراني يقول إنهما طالبا؛ أي بوتين وروحاني، بإجراء تحقيق موضوعي حول استخدام أسلحة كيماوية في محافظة إدلب. ولذا، فإن هذه التصريحات الفضفاضة، ومنها بيان ما يسمي «مركز القيادة المشتركة»، ما هي إلا دعاية مفضوحة، ومحاولة لحفظ ماء الوجه.
سبق أن دكّت إسرائيل «حزب الله» في لبنان، ولم تطلق إيران رصاصة للدفاع عن الحزب. وسبق أن احترقت غزة بعدوان إسرائيلي، ولم تفعل إيران شيئاً لإنقاذها، ولم يتحرك حتى «حزب الله» لإنقاذ غزة، ناهيك بأن نظام الأسد نفسه لم يردّ على كل تلك الهجمات الإسرائيلية، بحق لبنان وغزة، بل ولم يرد عندما حلق الطيران الإسرائيلي فوق قصره، وقبل سنوات من اندلاع الثورة السورية.
وعليه، فإنه لا قيمة لكل البيانات التي تصدر عن إيران و«حزب الله»، والأسد، بعد الضربة الأميركية، حيث إننا اليوم أمام واقع جديد. وبالنسبة للروس، فسيعلم الجميع موقف موسكو الحقيقي بعد لقاء وزير الخارجية الأميركي المرتقب مع نظيره الروسي، فالمؤكد أن لدى واشنطن أدوات عدة لإيذاء إيران وروسيا في سوريا، وهذا ما يدركه الروس جيداً، ولذا كانوا أكثر هدوءاً، وتقبلوا الصفعة الأميركية الأخيرة في سوريا.