يقف مستثمرو الأسواق المالية، خصوصاً المتفائلين ممن ثبتت صحة توقعاتهم، وجنوا كثيراً من المال في السنوات الأخيرة، وسط مرحلة انتقالية تهيمن على نظام عملهم.
فالمناخ الذي يعملون فيه يتحرك بعيداً عن الاعتماد المريح على البنوك المركزية القادرة والراغبة في دعم أسعار الأصول، ليعمل البيت الأبيض بقيود أقل من الكونغرس، فيما يخص سياسات النمو، بالنظر إلى هيمنة الحزب الجمهوري على الكونغرس بغرفتيه.
حدثان مهمان سيشهدان هذا الأسبوع على سرعة حدوث هذه المرحلة الانتقالية، لكن من دون تسليط كثير من الضوء على تأثيرها المرتقب، فخلال أغلب فترات الأزمة المالية التي هزت العالم عام 2008، اعتمدت الأسواق على البنوك المركزية للحد من التقلبات المالية، وتعزيز أسعار الأصول، لا كنهاية لسياسات السوق، لكن كسبيل لزياد النمو، والإسراع في إصلاح كشوف الموازنة.
لكن على مدار الأسابيع القليلة الماضية، واستناداً إلى المنطق العام في فهم زيادة وتيرة النمو العالمي والتضخم، بدا وكأن بنك الاحتياطي الفيدرالي بات جاهزاً لرفع قدمه عن دواسة البنزين تدريجياً. لكن ذلك يتطلب إدارة حذرة وماهرة ومتناغمة لتوقعات السوق، وفق بيانات ملموسة باحتمالية مضاعفة بنك الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة 3 أضعاف، خلال شهر مارس (آذار) الحالي، لتبلغ الزيادة نحو 100 في المائة خلال أيام معدودة، ومن دون التسبب في اضطرابات كبيرة في السوق.
وبنك الاحتياطي الفيدرالي ليس البنك المركزي المهم الوحيد الذي يمر بمرحلة انتقالية، خصوصاً في ضوء الوعي المتنامي للتكلفة الأولية، ومخاطر بقاء البنك ليناً لفترة طويلة. ومن جانبه، خضع البنك المركزي الأوروبي لضغوط متنامية لدفعه للتفكير في تقليص دعمه لكشوف الموازنة للأسواق، وذلك تمهيداً لتجاهل معدلات الفائدة السلبية لتلك السياسة. وفي الوقت نفسه، تساءل محافظ البنك المركزي الياباني عن استمرار تأثير أسلوب ضغط الدواسة للنهاية على السياسة النقدية غير التقليدية.
غير أن تلك السياسة لم يكن لها تأثير كبير في الأسواق بسبب ما أشار إليه جوناثان فيرو، المذيع المساعد بالبرنامج الصباحي بتلفزيون بلومبيرغ الأميركي، عندما قال إن هذا «طرح رئاسي»، مشيراً إلى رغبة السوق في اتباع سياسات من شأنها تعزيز النمو، في ظل قيادة الرئيس دونالد ترمب الجديدة.
ويرجع السبب في ذلك إلى عاملين؛ التعليقات المكررة للرئيس ترمب، التي لمح من خلالها إلى نيته اصطياد 3 عصافير بحجر واحد، فيما يخص الإجراءات الداعمة للنمو، التي تشمل رفع القيود، وإصلاح البنية التحتية والضرائب، بالإضافة إلى تراجع التهديدات السياسية المعيقة التي تتسبب في حالة الجمود، والتي تمارس تجاه الكونغرس.
إجمالاً، فالسؤال الأساسي الذي يواجه أسواق المال بات يثار بدرجة أقل عن طبيعة تغيير النظام، وبدرجة أكبر عن توقيت تلك التغييرات ومدى تأثيرها.
وسيكون لاجتماع سياسات البنك المركزي الأوروبي، الخميس، وكذلك تقرير الوظائف المقرر صدوره الجمعة، بعض التأثير على سرعة عملية الانتقال. وتوحي أغلب التوقعات بأن مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي سيقر الوضع الاقتصادي المحسّن، لكنه سينأى بنفسه عن أي تغييرات سياسية، خصوصاً في ضوء اقتراب موعد الانتخابات الفرنسية، وتأثير القانون رقم 50 بشأن خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي، الذي سنته حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
وستتسارع وتيرة المرحلة الانتقالية لمنظومة السوق، حال انتهز البنك المركزي أيضاً تلك الفرصة لتغيير طبيعة توجيهاته المستقبلية، بعيداً عن الإيحاء باستمرار حالة اللين التي بات عليها، وبعيداً عن دعم كشف الموازنة المفتوحة وغير المحددة لاقتراحات التراجع التدريجي.
ومن المرجح أن يعرض تقرير الوظائف عن شهر فبراير (شباط) البيانات النهائية التي يحتاج البنك الفيدرالي إليها لرفع نسب الفائدة في اجتماع لجنة السياسات المقرر الأسبوع المقبل. لكن في الحقيقة، فإن الحاجة لتوفير الوظائف بدرجة مهولة، وكذلك لبيانات الأجور، هما وحدهما العنصران القادران على إثناء البنك المركزي عن رفع سعر الفائدة. وكبديل لذلك، لو أن البيانات كانت أقوى مما هي عليه، لتشمل على سبيل المثال، توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل، وزيادة الأجور بدرجة كبيرة، ومقدار مشاركة القوى العاملة الراكدة في الاقتصاد الذي يوحي باستمرار حال الخمول في سوق العمل بنسبة ضئيلة، قد يستطيع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يشير الأسبوع المقبل إلى أن ميزان المخاطر، استناداً إلى خط القياس الأساسي للبنك، في المرات الثلاث التي ارتفعت فيها نسب الفائدة البنكية هذا العام، قد تحرك للأعلى.
وسيكون ذلك جانباً من التغيير في الاعتماد على البيانات إلى نهج أكثر استراتيجية، فيما يخص السياسة النقدية. وعندما، يتعلق الأمر بالتأثير، فالأسواق لم تقدم بعد على تطبيع الأبعاد المتعددة المرتبطة بالحقيقة البسيطة التي تقول إن هذا نمط مختلف من «الطرح». فعلى الجانب الإيجابي من الجسر، على سبيل المثال، فإن التحول من الاعتماد الزائد على البنوك المركزية إلى استجابة السياسة العامة من شأنه تحقيق وتيرة نمو أكبر وأشمل، وأيضاً تعزيز فرصة خلق أسس استقرار مالية حقيقية. وعلى الجانب السلبي من الجسر، فإن بنية السياسة الجديدة تعتبر أقل تلقائية واستجابة عند التنفيذ.
فعلى عكس بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يستطيع اتباع إجراءات من دون موافقة من الكونغرس (رغم أن هذا يقدم حزمة سياسات أقل اتساعاً)، فإن الرئيس يحتاج إلى موافقة الكونغرس على كثير مما اقترحه لنمو الاقتصاد. وتلك الموافقة عرضة لمؤثرات أبعد بكثير مما تنطوي عليه الإجراءات نفسها. ولتوضيح ذلك، فهناك بعض القلق من أن تعامل الإدارة الأميركية مع قضية الرعاية الصحية، باعتبارها أولوية تفوق الإصلاحات الضريبية، يعنى أن تنفيذ بند مهم من بنود أجندة تعزيز النمو قد يتأخر، بسبب الانقسام السياسي إزاء إلغاء وإعداد برنامج بديل، عوضاً عن برنامج «أوباما كير».
فـ«طرح البنك المركزي» كان داعماً إلى حد كبير لأسعار الأصول لسنوات كثيرة. وحتى يصبح «الطرح الرئاسي» ذا فائدة مماثلة، فسن إدارة ترمب لسياسة جيدة لن يكون كافياً إن لم تصاحبها إدارة اقتصادية ملائمة من الكونغرس.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
7:44 دقيقه
TT
تقييم تحول السوق إلى «الطرح الرئاسي»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة