محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

هيبة الإنصات ووقاره

«الإنصات.. هيبة». هكذا لخص ببلاغة أحد المستمعين إلى محاضرتي في جامعة برايتون البريطانية مزايا الإنصات، حيث كنت أتحدث عن سلسلة كتبي في فن الإنصات.
روعة حسن الإنصات تكمن في أنه يضفي وقارًا وهيبة على صاحبه وإن لم ينبس ببنت شفة. غير أن المفاجأة تكمن حينما يأتي الكلام مخيبًا للآمال، كما يروى عن عمر بن الخطاب: «أرى الرجل فيعجبني فإذا تحدث سقط من عيني».
وهذه الهيبة الخفية تتجلى حينما يتحدث ذلك المنصت، فيفاجئ محدثه بأنه كان يصغي إليه بكل جوارحه فيتذكر تفاصيل ما قيل. ويا له من احترام جم عندما نُشعِر محدثنا بأن كل كلمة تفوه بها قد لقيت آذانًا صاغية.
وهذه الآذان المرهفة تصبح مصدر الهيبة حينما يبدأ صاحبها في مخاطبة جلسائه بإجلال واحترام فتملأ عباراته قلوبهم روعة وهيبة. وكم من مسؤول يتعمد أن يزيد حيرة المتخاصمين إليه بإطالة أمد صمته أو تأجيل حكمه فيما سمع لتزداد رهبته في قلوبهم. وكم من نظرات مبهمة قذفت في قلوب المتحدثين الرهبة، الأمر الذي لم تستطع أن تفعله سيول من التوبيخ والعتاب.
وتتعاظم هالة الهيبة عند المصغي حينما يوزع نظراته بالتساوي على محدثيه. وتتزايد الهيبة عندما ينهي لحظات صمته بكلام موضوعي وحكيم وعادل. هنا يبدد ذلك المنصت شك المتحاورين معه بيقينهم بالتحدث إلى إنسان رزين لم يكن شارد الذهن، بل كان يعي كل ما يتناهى إلى سمعه.
هذا الوقار والهيبة الذي يصنعه حسن إصغائنا هو ما يجعلنا قبلة المتحدثين والمتألمين والمجروحين لما يجدونه فينا من دفء التقدير والاحترام والمودة. فالمحبة تجد ضالتها في آذان صاغية. ولذا سميت كتابي الأول: «أنصت يحبك الناس».
[email protected]