أعادت دراسة الباحثين من جامعة فيرمونت بالولايات المتحدة طرح الجدوى الصحية لتناول الفلفل الأحمر، وهي الدراسة التي لا تعتبر فقط إضافة علمية جديدة في تأكيد النتائج الإيجابية لتناول الفلفل الأحمر الحار في عدد من الدراسات العلمية السابقة، بل تعتبر الدراسة العلمية الأكبر التي تم إجراؤها في الولايات المتحدة حتى اليوم، حول التأثيرات الصحية المستقبلية لتناول الفلفل الأحمر الحار، ومدى تسبب ذلك السلوك الصحي في خفض معدلات الوفيات.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 9 يناير (كانون الثاني) من مجلة «بلوز وان» (Journal PLoS ONE) الطبية، لاحظ الباحثون من كلية لارنر للطب في جامعة فيرمونت أن تناول الفلفل الأحمر الحار Hot Red Chili Pepper يُقلل من مجمل الوفيات Total Mortality بنسبة 13 في المائة، وتحديدًا وبشكل رئيسي من الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والسكتة الدماغية.
ومع تبني الأوساط الطبية للطب المبني على البراهين والأدلة، خصوصا في إعداد نصائح طبية تُقال لعموم الناس بغية رفع مستوى صحتهم ووقايتهم ومعالجة أمراضهم، تشهد الأوساط الطبية اليوم حالة من «الطفرة» الإيجابية في البحوث والدراسات والتحقيقات العلمية حول دور الغذاء بالعموم، ومكوناته المختلفة على وجه الخصوص، في رفع أو خفض مستوى صحة الجسم، وحول دور أنواع معينة من المنتجات الغذائية في رفع أو خفض الإصابات بعدد واسع من الأمراض. وبمراجعة بسيطة لنتائج البحث في موقع بوب ميد PubMed ضمن المكتبة الطبية القومية بالولايات المتحدة التابعة للمؤسسة الأميركية القومية للصحة، نلحظ أن عدد البحوث والدراسات الطبية حول تأثيرات أنواع مكونات التغذية الصادرة عام 2016 قد ارتفع بنسبة 700 في المائة مقارنة بعددها قبل 40 سنة. كما نلحظ تطورًا مضطردًا في الالتزام بمعايير أدق في إجراء الدراسات بما يُفيد بنتائج أعلى مصداقية حولها. وثمة عدة أسباب وراء هذه الطفرة، أهمها ملاحظة الوسط الطبي أن غالبية الأمراض لها أسباب تتعلق بـ«ما يضع المرء في معدته»، وأن ثمة «إقبالا» من الناس في القارات كافة على الطب التكميلي، أو ما يُسمى بالطب البديل، والذي من أهم مكوناته تناول واستخدام الأعشاب والثمار ومستخلصات شتى من الحيوانات، وهو ما يفرض على الوسط الطبي إيجاد إجابات لاستفسارات الناس حول جدواها وتوضيح المفيد منها والضار وفق دراسات موثوقة النتائج.
والبهارات ومنها الفلفل الحار، تم استخدامها لآلاف السنين ابتغاء تغير لون الأطعمة أو تعزيز نكهتها أو لرفع مستوى حفظها دون التلف، وأيضًا لنيل كثير من الفوائد الصحية والعلاجية لأنواع شتى من الأمراض، وهو ما تدعمه كثير من موروثات الطب الشعبي في قارات العالم المختلفة. وخلال العقود الماضية، تم إجراء المئات من الدراسات في المختبرات in vitro وفي الأجسام الحية للإنسان والحيوانات in vivo حول التأثيرات الصحية والعلاجية لتناول أو استخدام التوابل والمركبات الحيوية النشطةBioactive Compounds الموجودة فيها.
وعلى سبيل المثال أفادت دراسات عدة جدوى التوابل الحريفة واللاذعة، كالفلفل الأحمر الحار، في زيادة هدم الدهون وحرقها في الجسم والتي يُمكن أن تفيد في حماية الجسم من السمنة ومن ارتفاع الكولسترول والحد من مخاطر ارتفاع ضغط الدم ودرء الإصابات بمرض السكري وأمراض القلب وشرايين الجسم. كما تناولت دراسات علمية أخرى جوانب تتعلق بقدرة المركبات الحيوية النشطة لأنواع شتى من التوابل الحارة في مقاومة الميكروبات والقضاء عليها Anti - Microbial Activity، مثل جرثومة المعدة الحلزونية H. pylori وأنواع أخرى من البكتيريا والفطريات لتغيير تركيبة الوسط البكتيري في الأمعاء وتأثيرات ذلك على عدد من الأمراض الاستقلابية Metabolic Diseases. وكثير من التوابل تعتبر من المنتجات الغذائية الغنية بالمواد المضادة للأكسدة Antioxidants، والتي تقاوم تأثيرات ظهور وتراكم الجذور الحرة Free Radicals ذات التأثيرات السلبية في تنشيط ظهور ونمو الخلايا السرطانية وتراكم الكولسترول في الشرايين وشيخوخة الجلد وغيره. إضافة إلى احتواء البهارات على مركبات ذات فاعلية في خفض حدة تفاعلات الالتهابات Anti - Inflammatory، وهو ما يُعتقد أن له تأثيرات إيجابية في خفض حدة الإصابات بعدد من الأمراض المزمنة التي تشكل عمليات الالتهابات جزءًا رئيسيًا من آلياتها المرضية كأمراض شرايين القلب.
وكان الباحثون من جامعة فيرمونت قد أفادوا في مقدمة دراستهم بأنهم قاموا بتحليل المعلومات المتعلقة بتغذية أكثر من 16 ألف شخص بالغ، وذلك من بيانات «المسح الإحصائي القومي للصحة والتغذية» NHANES بالولايات المتحدة، وتمت متابعة مدى تناولهم للفلفل الحار الأحمر ومدى حصول الوفيات بينهم خلال الـ23 سنة الماضية. وشمل الباحثون مجموعة كبيرة من المتغيرات لدى المشمولين بالبحث، مثل العمر والجنس والتدخين والإصابة بعدد من الأمراض المزمنة ونسبة الكولسترول في الدم ومستوى الدخل والمستوى التعليمي والأصول العرقية وتناول الكحول ونوعية مكونات التغذية من المنتجات الأخرى كاللحوم بأنواعها والخضراوات وغيرها. وقال الباحثون إن دراستهم هذه هي أكبر دراسة حول تناول الفلفل الأحمر الحار تم إجراؤها في أميركا الشمالية وأوروبا حتى اليوم.
ولاحظ الباحثون أن ثمة علاقة عكسية بين كمية تناول الفلفل الحار الأحمر وبين معدلات الوفيات بالعموم، خصوصا من الوفيات القلبية والسكتة الدماغية، وتحديدًا خلال 23 سنة من المتابعة، كانت نسبة الوفيات 34 في المائة بين منْ لا يتناولون الفلفل الحار الأحمر، بينما بلغت تلك النسبة 21 في المائة بين منْ يتناولونه. ولذا قال الباحثون: «تناول الفلفل الحار الأحمر ربما من المفيد أن يكون جزءًا من إرشادات التغذية الصحية».
وأضاف الباحثون أنهم لا يعلمون آلية عمل الفلفل الحار الأحمر على تقليل الوفيات، إلا أنهم أفادوا بأن تأثيرات مادة كابسايسين Capsaicin، المادة الحارة الأهم في مكونات الفلفل الحار، ربما هي السبب عبر تأثيراتها في خفض احتمالات السمنة وتعديل تدفق الدم من خلال الشرايين القلبية وضبط مكونات البكتيريا داخل الأمعاء وغيرها من الآليات المحتملة.
* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]