قبل أيام من توليه رئاسة الولايات المتحدة، لا يزال دونالد ترامب لغزًا محيِّرًا للعرب. فسياسته الخارجية غير واضحة. وسياسته الداخلية مشوشة. والاقتصادية تنذر بنشوب حروب تجارية عالمية. وشخصيته الغريبة مكنته من التغلب على منافسين كانوا أقوى منه. أليس «ترامب» الرابع عشر شبيهًا بكل «ترامب» آخر تولى رئاسة أميركا منذ الحرب العالمية الثانية. فألحق بجهله السياسي ومزاجيته كوارث بالعرب؟
شكرًا للرئيس فرانكلن روزفلت. فقد أعلن الحرب على الألمان. واليابان. والطليان. ولم يعلن الحرب على العرب. وعندما تقاسم في يالطا العالم مع ستالين وتشرشل، صنف العرب دولاً «نامية». وهو التعبير الاقتصادي المهذب عن الدول «المتخلفة». وأبدى استعداده لمساعدتها، إذا بقيت في المعسكر الغربي.
وشكر أكبر لنائبه هاري ترومان. فقد قصف اليابان بالقنبلة النووية. ولم يقصف العرب. إنما اعترف بإسرائيل دولة فوق أراضيهم. أما دوايت أيزنهاور، فقد أنقذ العرب من الغزو الثلاثي. وأمر بريطانيا. وفرنسا. وإسرائيل، بالانسحاب من مصر وقناة السويس. فانسحب العرب في المقابل من الأحلاف العسكرية الغربية. وأعلنوا الحياد بين أميركا وروسيا خلال الحرب الباردة.
صفق العرب لهزيمة جون كيندي أمام كاسترو في خليج الخنازير. ثم اغتيل قبل أن يتعرف جيدًا على جمال عبد الناصر. فاستخدم ليندون جونسون إسرائيل لهزيمته. وتدمير مشروعه الوحدوي القومي (1967). مات عبد الناصر قبل أن يعرف خير ريتشارد نيكسون من شره. فتعهد نائبه جيرالد فورد بعدم اغتيال أميركا لأعدائها في الخارج.
ظهر «القديس» جيمي كارتر كحمامة سلام. حاول نزع اعتراف من العرب باستيطان إسرائيل لأرضهم. فلم يوافقه سوى الرئيس أنور السادات الذي دخل صلح الكامب حليفًا لمناحم بيغن. وقاطع العرب. راهن السادات على الإسلام الراديكالي. فاغتال حلفاؤه المتزمتون وزير أوقافه. ثم اغتالوه. فأنقذ خليفته حسني مبارك مصر من المتزمتين. وأعاد مصر إلى العرب.
تورط صدام في حرب عبثية مع إيران. فأنقذه رونالد ريغان. ظن صدام أنه بات كسرى العرب. فأمر جيشه بجلد بحر الخليج. فجلده جورج بوش الأب في الكويت. وجلده جورج بوش الابن. وسلم العراق إلى عملاء إيران.
حاضر بيل كلينتون العرب عن السلام مع إسرائيل. فاغتنى بثمن المحاضرات. انسحب باراك حسين أوباما من العرب. وخالف تعهد الرئيس جيرالد فورد. فاغتال أسامة بن لادن (الذي اغتال نيويورك). صوت العرب لهيلاري كلينتون. فظهر أمامهم الرئيس «ترامب» الرابع عشر منذ فرانكلن روزفلت.
ترامب «كاوبوي» ذو ماضٍ نسائي. زيُّه من صنع «لانفان». خاض الانتخابات كساحر مالي. فانتخبه الأميركيون بعدما عرفوا أنه أفلس على 950 مليون دولار! ولم يعلن عن دخله. ترامب إعلامي من عائلة «تويتر». يدوّن بلغة لاذعة ضد المسلمين. والأميركان اللاتين. وهو يقول إنه يعرف كيف سيقاتل «داعش» أكثر مما يعرف الجنرالات. لكن لا يقول ما إذا كان سيرسل قوات أميركية إلى سوريا لهذا الغرض.
كأي «ترامب» آخر، يأتي ترامب الرابع عشر خالي الوفاض من أي خبرة سياسية. مشاريعه السياسية بحاجة إلى مختبرات تجربة لإثبات نجاحها. يعتزم التغيير في أجهزة الأمن. وفضح منافسته هيلاري. لكن أجبرته على الاعتراف بأن قراصنة صديقه بوتين خدموه في حملته الانتخابية.
ترامب الرابع عشر رئيس شعبوي. من حسن حظ النظام العربي أنه غير مهتم، كالليبراليين، بنشر الديمقراطية. ولا العالم يعرف كيف سيديره ترامب مع صديقه القيصر الذي دعاه إلى الجلوس مع بشار في المفاوضات السورية المقررة في 23 الحالي. ترامب مع روسيا. لكنه ضد الصين. هو مع مبدأ الحماية التجارية والجمركية ضد المعاهدات التجارية التي روَّجت سلع أوروبا. والصين. وكندا. والمكسيك. والعرب. وإسرائيل، في أسواق أميركا.
شكل ترامب أغنى حكومة في تاريخ أميركا. وزير الخارجية ريكس تيلرسون (64 سنة) يساوي 300 مليون دولار. قضى 40 سنة بين براميل النفط. توزيره يفرض عليه التخلي عن مرتبه (عشرة ملايين دولار في السنة). وعن 50 مليون دولار قيمة أسهمه في شركة إكسون. وعن أرباحه (180 مليون دولار) في 150 شركة. بينها «والت ديزني» و«إيرباص».
جاريد كوشنر صهر ترامب اليهودي، سيكون مبعوثه إلى العرب وإسرائيل. كوشنر (36 سنة) وأبوه الذي سجن مرتين لتهربه من دفع الضرائب، يملكان شركات مقاولات وعقارات بقيمة 14 مليار دولار. والمبعوث له علاقة بأكبر مصرف إسرائيلي (هابوليم) الذي يقال إنه قام بمساعدة مليارديرات أميركا على التهرب من دفع الضرائب. على كوشنر أن يتغلب على أول عقبة، بتمرير قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، من دون إثارة العالم العربي.
وأقول هنا إن القدس جرى تهويدها بمعدل 87 في المائة. ولم يبقَ في أيدي العرب سوى 13 في المائة من أراضيها. مع ذلك، لم تصدر مؤسسة «الطابو» العربية فيها إلى الآن خرائط مصورة عن الباقي من الأحياء العربية المحاصرة، لتبلغ العالم والأميركيين، بما تفعل حكومة الاستيطان برئاسة نتنياهو.
وزراء ترامب الآخرون يساوون مليار دولار. في مقدمتهم ولبور روس وزير التجارة. وهو مستثمر. ومصرفي سابق. حقق ثروة طائلة من المتاجرة بالفولاذ. والفحم. والاتصالات الإلكترونية. ستيفن مِنوشن وزير الخزانة (53 سنة) آتٍ من «وول ستريت». أنتج أفلامًا هوليوودية ناجحة فنيًا وماليًا... الدولة تخفض الضرائب على الوزراء، لتشجيع المليارديرية، من رجال الخبرة والكفاءة في الإدارة، على الاستيزاز. أما ترامب نفسه، فيقول إنه سيعهد إلى نجليه إدارة أمواله وممتلكاته. ويرفض تسييلها لشراء سندات حكومية، كما نصحه «مكتب الأخلاق» في الدولة، للحيلولة دون استغلال المنصب في خدمة المصالح الشخصية.
يتعهد ترامب باللجوء إلى الصرامة في إدارته الحكومية. فيبشر منذ الآن بعزمه على استخدام التعذيب في السجون السياسية الأميركية. مشكلة ترامب مع الجنرال جيمس ماتيس الذي اختاره لمنصب وزير الدفاع، كون الجنرال ضد التعذيب. ومنع استخدامه خلال خدمته العسكرية في العراق. فكان يكتفي بعلبة سجائر وكأسين من البيرة، لإقناع العراقيين المعتقلين بالاعتراف.
أهلا بترامب الرابع عشر. وكل «ترامب» والعرب بخير.
7:30 دقيقه
TT
كل «ترامب» والعرب بخير!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة