زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الفنان الفرعوني

من خلال كثير من المناظر المصورة على جدران المقابر والمعابد الفرعونية نستطيع التعرف على وضع الفنانين والنحاتين وأصحاب المهارات الفنية في زمن الفراعنة. كان من هذه المناظر ما يصور الفنان إلى جوار صاحب المقبرة وعائلته، مما يشير إلى نوع من المكانة السامية للفنان والتشريف له. وصحيح أن الفنان المصري القديم اكتسب مكانته ليس فقط تقديرًا للفن وإنما لدوره الديني والجنائزي المهم، فعلى جدران المقابر كان يعتقد في أهمية المناظر المصورة في إتمام رحلة المتوفى إلى العالم الآخر بنجاح، وبالتالي نيل الحياة الأبدية والعيش في جنة الأيارو. وفى مناظر ما تعرف بالحياة اليومية نجد الفنان يصور في صحبة صاحب المقبرة وهو يصطاد الطيور في الأحراش أو الحيوانات بالصحراء مع أفراد الأسرة والأصدقاء. كما صور الفنان كذلك ضمن المدعوين إلى المآدب والحفلات التي أقامها صاحب المقبرة في حياته. ليس هذا فقط، بل توفرت لدينا من الوثائق القديمة ما يبين أن الفنان كان من ضمن أهل الثقة في المجتمع المصري القديم، فنجده يوقع شاهدًا على وصية أو على معاملة تجارية بين اثنين أو أكثر. وعلاوة على ذلك تكشف مقابر الفنانين أنفسهم ما توفر لديهم من مال ونفوذ لامتلاك مقابر خاصة بهم. وكان من الشائع أن يتم التعاون فيما بينهم لتجهيز مقابرهم من دون نفقات، فالنحات يقوم بدوره والرسام يقوم بدوره وكذلك النجار وغيره.
نعرف بوجود مرسم خاص بمعبد أمون بالكرنك يعود إلى عصر الأسرة التاسعة عشرة، ويوجد نص نادر تركه الفنان في مقبرة «تيتى إيقر» يقول فيه: «قمت بنقش مقبرة الأمير تيتى؛ بل قمت أنا بنفسي بعمل نقوش وزخارف هذه المقبرة بمفردي». بالطبع كانت هناك مراتب بين الفنانين من حيث نوع الصناعة، فالفنان أو الرسام يأتي مقدمًا على النحات، بل إن نحات التماثيل كان يتفوق في المرتبة على نحات الأواني الحجرية. وكذلك كانت المرتبة السامية هي للفنان الذي يسعده الحظ والصناعة ليُرقى إلى رتبة «رئيس الفنانين الملكيين»؛ ويليه لقب «الفنان الملكي». كذلك حمل كثير من الفنانين ألقابًا أخرى إلى جوار ألقابهم كفنانين؛ فكان منهم على سبيل المثال الكهنة والمهندسون والكتبة.
كان من المناظر المحببة على جدران مقابر الدولة القديمة في سقارة والجيزة تلك المناظر التي تصور الفنانين أثناء عملهم في الورش الخاصة بهم؛ فنرى النحات وقد قارب على الانتهاء من نحت تمثال حجري أو خشبي؛ كذلك صور الرسام وهو ينتهي من تلوين التماثيل. ومن أجمل المناظر التي وصلت إلينا منظر من مقابر الجبانة الغربية بأهرامات الجيزة. يصور المشهد اثنين من النحاتين أحدهما يقوم بنحت تمثال من الخشب؛ بينما يقوم الآخر بنحت تمثال من الحجر ويشتكي لصاحبه قائلاً: «مرت أيام كثيرة وأنا أعمل في هذا التمثال ولم تظهر ملامحه بعد؟!»؛ فيكون الرد الساخر من زميله: «لا تكن غبيًا فنحت الحجر لا يستوي مع نحت الخشب!».
كان على الفنان الكبير أن يعلم تلاميذ صغارًا مهارات الفن؛ وأن يدربهم على اتباع التقاليد الفنية الراسخة من آلاف السنين. وعلى الرغم من وجود مدارس فنية في مصر القديمة يمكن من خلال الاختلافات الواضحة بينها تأريخ الأعمال الفنية، فإن الفن المصري القديم في مجمله امتاز عن غيره من فنون الحضارات القديمة باتساق واستمرارية تقاليده الفنية وبالطابع المصري الأصيل الذي عبر حدود مصر الفرعونية وأثر إلى أبعد الحدود في فنون حضارات الشرق القديم بسوريا والعراق وإيران.