ستنتهي الانتخابات الأميركية قريبًا. في كل رحلة قمت بها إلى الشرق الأوسط خلال العام الحالي، لم يكونوا يسألونني عن الانتخابات فحسب، بل أيضا عمّا إذا كان من المرجح أن يظل تردد إدارة أوباما، كما يتم تصويره، في التأثير على توازن القوى في المنطقة مستمرًا؟
يقبع وراء هذا السؤال الخوف من ألا يكون التردد الأميركي في الانخراط في الشرق الأوسط مقتصرًا على إدارة أوباما فحسب. ويوضح ذلك، على العكس، شعورًا أعمق بعدم الارتياح بين صفوف الشعب الأميركي، أو ببساطة ما إذا كان يميل نحو التراجع، وتفادي الاستمرار في لعب دور القوة العظمى حول العالم.
ففي النهاية كما يقول لي زملائي في الشرق الأوسط إن مرشحين مختلفين بقدر الاختلاف بين بيرني ساندرز، ودونالد ترامب، يعبرون عن موضوعات تتعلق بالنأي بالنفس عن شؤون الدول الأخرى؛ وحقًا يعود شعار ترامب «أميركا أولا» إلى ثلاثينات القرن الماضي.
إجابتي هي أن هناك قلقا شعبيا بشأن التورط في صراعات الشرق الأوسط؛ وكيف لا يكون هناك قلق؟ أميركا متورطة في حروب مختلفة في الشرق الأوسط منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولم تكن النهاية جيدة؛ فالتكاليف كانت مرتفعة، والنتائج بائسة. لذا ينبغي أن يكون لدى الشعب تساؤلات، وينبغي على قادة أميركا أن يلقوا بالا لتلك التساؤلات. ويجب أن يكونوا قادرين على التعامل معها، وتفسير أي حالة يكون فيها التدخل لحماية مصالحنا أمرًا ضروريًا.
إلى جانب ذلك، لا يتسم المناخ الشعبي العام بالوضوح التام؛ فقد كان هناك دعم شعبي لملاحقة تنظيم داعش، ولا ينبغي على المرء افتراض أن الرئيس الأميركي القادم سوف يشعر أنه مضطر للانسحاب من المنطقة. لم يفعل الرئيس أوباما ذلك، فالولايات المتحدة لا تزال موجودة عسكريًا في المنطقة بنحو 3500 فرد من أفراد القوات الجوية، والبحرية، والبرية في الشرق الأوسط. صحيح أن الوجود العسكري الأميركي يعد محدودًا مقارنة بالوجود الروسي في المنطقة سواء من حيث الكمّ أو الكيف. ويتمثل الفرق في أن القوات الروسية نجحت في دعم نظام الأسد خلال الحرب الأهلية السورية، حيث ركزت على قصف المعارضة السورية أكثر مما ركزت على إضعاف تنظيم داعش.
من جانبها، لا تدعم الولايات المتحدة سوى القتال ضد تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق. المفارقة هي أن قواتنا على الأرض في العراق أكبر من القوات الروسية الموجودة في سوريا، فضلا عن أننا نستخدم القوة الجوية، والقوات الخاصة، ووحدات الدعم اللوجيستي، والاستخباراتي، للمساعدة في صدّ هجوم داعش في محافظتي الأنبار ونينوى، وفي دعم الحكومة العراقية، وقوات البيشمركة حاليًا خلال محاولات استعادة مدينة الموصل.
كان تركيزنا على تنظيم داعش، وسيظل كذلك، بينما يهتم الروس بأمر مختلف؛ وهو الحفاظ على بقاء نظام الأسد، وتأكيد مساندتهم لأصدقائهم، وبينما يقومون بذلك يصبحون ممن يقررون الشكل الذي سيكون عليه مستقبل سوريا. ونظرًا لأن في سوريا صراعا بالوكالة تستخدم فيه إيران الجماعات المسلحة الشيعية ليس فقط لدعم الأسد، بل أيضا لبسط نفوذها في المنطقة في مواجهة الحكومات العربية، تؤثر روسيا على توازن القوى الإقليمي في هذا الصراع الآخر. ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية قد تراجعت؛ فقد اختارت بكامل وعيها عدم الانضمام إلى القتال ضد نظام الأسد. وبالمثل اختارت ألا تفعل الكثير لمواجهة الهجوم الروسي على حلب، وغيرها من المدن، التي تسعى روسيا من خلاله، بالتعاون مع الأسد، إلى إخلاء مناطق السنّة بها، والتي يوجد بها المتمردون، من خلال الحصار، والتجويع، واتباع نهج الأرض المحروقة.
ليس المعيار، الذي سيتم به الحكم على الإدارة المقبلة، هو ما إذا كانت ستنسحب من المنطقة أم لا، بل ما إذا كانت مستعدة للتنافس في المنطقة أم لا. وهل ترى أن المغامرة الإيرانية في المنطقة تمثل تهديدًا؟ وهل ترى الاستغلال الإيراني للجماعات المسلحة الشيعية تهديدًا لنظام الدولة في الشرق الأوسط، لا يقل عن تهديد «داعش» و«القاعدة» له؟ وهل تعتقد أن تغيير ميزان القوى بشكل يضرّ بمصالح شركاء أميركا التقليديين في الشرق الأوسط يمثل هو الآخر تهديدًا للمصالح الأميركية؟ وهل ترى في وجود فراغ في المنطقة خطرًا على أميركا أيضا؟ لا يعني أي من هذا أنه سيتعين على الإدارة المقبلة حمل عبء التعامل مع التهديدات في منطقة الشرق الأوسط بأكملها وحدها، ولا ينبغي لها ذلك.
مع ذلك يعني كل هذا أن عليها الاستعداد لاحتواء إيران، والسعي لزيادة تكلفة استخدام إيران للجماعات المسلحة الشيعية، حتى في ظل مواجهتها الإسلاميين السنّة المتطرفين، سواء كانوا من «داعش» أو «القاعدة». وهنا تكمن مفارقة أخرى، وهي أنه كلما زادت رغبة الولايات المتحدة الأميركية في الحد من تأثير ما يقوم به الإيرانيون في أنحاء المنطقة، زاد اليقين من أنها ستحظى بشركاء إقليميين، ليس فقط لاحتواء الإيرانيين، بل أيضا لمواجهة المتطرفين.
سيتم انتخاب الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأميركية في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؛ وفي الوقت الذي لا أتوقع فيه من الإدارة القادمة أن تعتمد استخدام القوة كخيار أول، أو أن تتجه نحو استخدام القوة الغاشمة، أعتقد أنها سوف ترى أن لنا نصيبا من حجم التأثير على توازن القوى الإقليمي. وسترى أن استعادة ثقة أصدقاء أميركا التقليديين في الشرق الأوسط أمر مهم وضروري لحماية مصالحنا في المنطقة. لذا فإن إجابتي عن السؤال، الذي تم طرحه علي كثيرًا خلال العام الماضي، هي أن سياسات الإدارة القادمة لن تكون امتدادًا واستمرارًا لما شاهدناه خلال السنوات القليلة الماضية. والزمن هو الذي سيوضح ما إذا كنت على صواب أم لا.
TT
توازن القوى في المنطقة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة