يتساءل المرء عما إذا كان زعماء الحزب الجمهوري قد بدأوا يدركون أنهم ربطوا مصيرهم ومصير حزبهم الكبير برجل يعاني اضطرابات أو اختلالا في شخصيته. ويمكننا ترك الحكم في ذلك للمختصين ليحددوا بالضبط توصيفا مناسبا لحالة الرجل.
ما الداعي لتشويه سمعة والدي الجندي الذي قضى نحبه في خدمة بلاده في العراق؟ وما الداعي لاستمرار حملة التشويه الغريبة لمدة أربعة أيام؟ وما الداعي لمهاجمة سجل أحد كبار جنرالات الجيش الأميركي الذي قاد قوات بلاده في أفغانستان؟ ولماذا السخرية من مكانة العمدة الأسبق لمدينة نيويورك؟ لا بد لترامب أن يعي أنه في أي مؤتمر انتخابي، بما في ذلك مؤتمر حزبه الجمهوري، ينطلق الناس في مهاجمة مرشح الحزب المنافس. وهم يحصلون على نصيبهم من ذلك تماما كما يحصل حزبه على نصيبه سواء بسواء. ثم يتحركون نحو الخطوة التالية من الحملة الانتخابية.
الحقيقة أن ترامب لا يمكنه مساعدة نفسه، ولقد قال بكل وضوح إنه يرغب في «ضرب» كل من تحدث ضده في مؤتمر الحزب الديمقراطي، مما يوحي بأن هناك فعلا شيئا خاطئا لدى الرجل. المشكلة الحقيقية، والأمر المؤرق الذي يبقيك مستيقظا طيلة الليل، ونحن نتجه نحو المائة يوم الأخيرة من هذه الحملة، هي أن الرجل لا يملك السيطرة على نفسه. ولا يمكنه التراجع حتى عندما يكون الأمر في صالحه تماما إن فعل ذلك وتراجع. والأكثر من ذلك، أن أمراض الرجل النفسية ذات طبيعة مدمرة للذات. (إفصاح: كنت ضيفا متحدثا لدى حملة لجمع الأموال لصالح هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي في الشهر الماضي، وليس لي دور في حملتها الانتخابية على الإطلاق).
ترامب، على هذا النحو، لا يمكن اعتباره سياسيا طبيعيا بحال؛ فالسياسي الطبيعي يعرف أنه بصرف النظر عن مقدار الانتقادات التي يسمعها من الآخرين، فدوره الطبيعي هو الاستمرار في الابتسام والترفع عن ذلك. لا يجب عليك أن تكون ابتسامتك حقيقية، وليس عليك التظاهر أيضا بأنها طبيعية، ولكنه الشيء الوحيد الطبيعي الذي يجب فعله حتى وإن لم تكن النتيجة سوى تفادي المزيد من الضرر. ليس بمقدور ترامب القيام بهذه المعادلة البسيطة من المحافظة على ماء الوجه. بل يجب عليه مهاجمة كل من يعارضه حتى وإن تمكن من الانتصار عليهم. يجب عليه الاستمرار في الحديث عن والد السيناتور تيد كروز من تكساس، حتى بعدما تخلى السيناتور كروز عن الأمر برمته. ولا بد له من إهانة كريس كريستي حاكم نيوجيرسي حتى بعد تراجع كريستي أمامه.
يعجب الكثير من أنصار ترامب بالرجل من أجل جرأته الشديدة إزاء الإنصاف السياسي، لكن أخطاءه السياسية قد تكون مجرد أثر جانبي غير مقصود من مرضه. فبعض من الإهانات التي يطلقها على منتقديه غير صحيحة من الناحية السياسية: وأقصد بذلك التهكمات العنصرية والآراء المزدرية للنساء. ولكن بعض الإهانات الأخرى هي من قبيل السخرية الصبيانية: مثل التهكم على طول شخص ما، أو الإشارة إلى أن والد أحدهم كان مشاركا في اغتيال الرئيس كينيدي. إن إهانات ترامب مبعثرة هنا وهناك – وهي تلامس في بعض الأحيان النزعة العنصرية أو كراهية الأجانب في المجتمع. والحقيقة الجديرة بالأهمية هي أنه غير قادر على السيطرة على ردود فعله حيال الانتقادات. إنه يقع في سقطات مزدوجة في كل مرة، حتى وإن كان يعني الأمر أن يخوض لدركات أعمق وأعمق في الحفرة نفسها.
تخيل أن يكون هذا الشخص رئيسا للبلاد. إن ما شاهدناه في حملة ترامب الانتخابية ليس مجرد طريقة ذكية لإثارة غضب الناس، بل إنه خلل في الشخصية التي تتمتع بملكة إثارة غضب الآخرين. ونظرا لأنه خلل وليس مجرد تكتيك انتخابي، فسيستمر هذا الخلل في التأثير في سلوكيات ترامب داخل البيت الأبيض. وسيحدد كيفية تعامله مع الدول الأخرى. كما أنه سيحدد طريقة استجابته للانتقادات الداخلية. وسيحدد كذلك أسلوبه في الحكم، وكيفية تطبيقه القوانين، وطبيعة الأوامر الموجهة لوكالات إنفاذ القانون وأجهزة الاستخبارات الخاضعة لقيادته، وكيفية تعامله مع الصحافة، ومع الحزب المعارض، وحتى مع المعارضة الداخلية داخل حزبه. يمكن للمرء أن يأمل ألا نصل إلى هذا المستوى. وفي جميع الاحتمالات، فإن عيوبه ستدمره قبل أن يصل إلى عتبات البيت الأبيض. سيقضي ترامب على نفسه بنفسه، وإنه سيطيح بالحزب الجمهوري وقياداته في طريقه إلى القاع.
* خدمة «واشنطن بوست»
7:52 دقيقه
TT
هناك شيء خاطئ للغاية لدى ترامب
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة