بمدِّ خطوط التواصل مع دوائر البيت الأبيض المتوقعة لا الحالية، وبالاتصال مع صناع ومطابخ القرار السياسي والاقتصادي والعسكري في الأحزاب وفي لجان الكونغرس، وفي بيوت الاستشارات، وبالذهاب مباشرة لرؤوس الأموال والمستثمرين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، تم الاتصال بمنابع القرار الأميركي لا بمصباته، تم ربط مصالح الداعمين والممولين للحملات الانتخابية الأميركية بالمملكة العربية السعودية لا بالفائزين فحسب.
ما قامت به السعودية هو حملة لجمع التأييد يقوم بها أي مرشح أميركي.. الآن بدأنا نشتغل (صح)، إنما علينا أن نكمل (صح) أيضا، فالزيارة كانت تعارفا جديدا بين السعودية وأميركا دخلت مدخلا غير تقليدي، إنما يلزمها بناء غير تقليدي أيضا لا يكتفي بفتح الباب، بل يلزمه وضع تصور استراتيجي متكامل لجميع الأدوات السعودية المعنية بإعادة تموضع المصالح الأميركية السعودية بشكلها الجديد، لا يكتفي بربط مصالحنا مع بيوت النفط الأميركية فمؤسس «فيسبوك» ومؤسس «تويتر» أصبحا أهم منها اليوم.
في زيارة الأمير محمد بن سلمان بحث عن الاستدامة، لذا كانت هناك اجتماعات ثنائية مغلقة مع الباقين في مصنع القرار لا المغادرين له، التقى بكل من ناهض سياسة أوباما الخارجية، بدأها برئيس مجلس النواب بول رايان وهو جمهوري وحصل على ثقة أكثر من 236 صوتا في انتخابات المجلس، مقابل 148 صوتا حصلت عليها زعيمة الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب نانسي بيلوسي، ومع ذلك لم يتجاوزها فاجتمع بها أيضا الأمير محمد اجتماعا هي الأخرى، كما اجتمع مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ورئيس اللجنة السيناتور الجمهوري بوب كروكر، الذي كان له موقف مناهض لإدارة أوباما فيما يتعلق بسياسته الخارجية، وقد احتج على امتناع مجلس الأمن الدولي عن الرد على الاختبار الصاروخي الباليستي الإيراني، ووجه لوما لحكومة أوباما التي فشلت فيما وعدت به بلجم إيران بعد الاتفاق النووي، كما سبق أن صرح أن بلاده ضيّعت فرصا كثيرة للتأثير في الأوضاع في سوريا.
أما اجتماعه مع مسؤولي الاستخبارات العامة والاستخبارات الوطنية، جون برينان وجيمس كلابر، فقد سبقه تصريح لبرينان عن إبراء السعودية من المسؤولية عن أحداث سبتمبر (أيلول)، واجتماعه بميتش كونيل السبعيني المتجهم دائما زعيم الأغلبية الجمهورية، والعدو اللدود لأوباما ولسياسته الخارجية، وبجون ماكين الجمهوري والمؤيد للتقارب السعودي الأميركي، والذي اصطحبه أوباما في زيارته للسعودية، فهو تعزيز لأصحاب تلك المواقف ودورهم في دعم العلاقة التقليدية.. لقد أبدى الأمير محمد وفاء للأصدقاء التقليديين للسعودية، لكنه لم يكتف بهم، بل مدَّ يده للتعارف على المؤثرين الجدد.. باختصار هناك عمل سليم قبل الزيارة، عرف ثغرات الثوب الأميركي بالتحرك على مستوى أفقي داخل الدوائر الأميركية، وليس التحرك الرأسي فقط، توسع بالاتصال مع روافد القرار الأميركي وليس مع صاحبه.
إنما هذه السياسة تحتاج إلى روافد سعودية مقيمة في الولايات المتحدة تكمل ما بدأته الزيارة، فلا ينتهي الجهد هنا إنما يمتد وفق أسس مدروسة ببرنامج مكثف، ومركّز لأعضاء السفارة.. مهمة تستلزم العمل بهدوء وبعيدا عن الأضواء، تواصل ما بدأه الأمير محمد بن سلمان ولا تقطع الاتصال مع ذات الأشخاص، إنما بشكل مؤسسي لا فردي.
نحن بحاجة للتعلم من اللوبيات السابقة التي وضعت حجر الأساس لأكثر من مؤسسة فكرية وبحثية في عواصم الولايات، لا في موقع واحد لتكون أذرعا لها تصل لنواب الكونغرس المهمين في ولاياتهم، وكذلك مدّ الاتصال مع بيوت الاستشارات التي يستعينون بها، هكذا يمكن ضمان أن تصل السعودية إلى منابع لا مصبّات القرار الأميركي بشكل مستدام، أما سياسات وتوجهات وقرارات وعقيدة من يصل للبيت الأبيض، فما هي إلا نتاج لهذه المطابخ التي سبقت وصوله.
على صعيد آخر لا يمكننا أن نغفل أن أحد أهم منابع القرار الأميركي هم ممولو الأحزاب والحملات الانتخابية ومنصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت لاعبا أساسيا في القرار بيدهم التأثير الكبير على السياسات الخارجية بشكل لا يقل على الممولين التقليديين، وأصحاب الأموال والصناعات الكبيرة، وقد توجه لهم مجيبا عن ما أثير لديهم من أسئلة حول جدية الانفتاح السعودي على الاستثمار الأجنبي وخطة التحول، فلم يمض شهران على لقائه مع «بلومبيرغ» الذي أجراه في أبريل (نيسان) وفتح به شهية المستثمر لأكبر صندوق سيادي استثماري تزيد أصوله على تريليوني دولار، حتى انتهت الزيارة من خلال عقود وصفقات بملايين الدولارات، وهذه بحاجة أيضا لحراك اقتصادي يكمل ما بدأته الزيارة وغير تقليدي يكسر الاحتكار في السوق السعودية، ويفتح المجال للمنافسة وتكافؤ الفرص كي يثبت جدية التحول والتغيير.
باختصار نحن أمام شكل غير تقليدي للعلاقة الأميركية السعودية، فتح الأمير محمد بن سلمان لها بابا جديدا، ولكي تستقر وتؤتي ثمارها يجب ألا يكتفى بها.
8:32 دقيقه
TT
شكل غير تقليدي للعلاقات السعودية ـ الأميركية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة