أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

الحاجة إلى مساعدة الشعب السوري في تقرير مستقبله

عندما نتحدث عن سوريا تجد الدبلوماسيين الروس يرددون نفس العبارات القديمة بشأن «عدم التدخل في شؤون دولة ذات سيادة».

أما الأميركيون فيقصرون الحديث عن الحرب الأهلية التي حصدت حتى الآن ما يزيد على 150.000 شخص، على الأسلحة الكيماوية لبشار الأسد.

ولن تتمكن المواقف الأميركية ولا الروسية من اجتياز حتى أكثر الاختبارات إيجازا.

هناك أكثر من اثنتي عشرة دولة، من بينها روسيا، كانت تتدخل في سوريا لسنوات، ولا تزال تواصل ذلك. ومعروف أيضا أن الشؤون الداخلية السورية تؤثر على باقي العالم، ولا سيما عبر ذلك العدد الضخم من اللاجئين الذي لم يشهده العالم منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة هناك ما يربو على مليوني لاجئ سوري موجودون بالفعل في لبنان وتركيا والعراق والأردن.

وبدأ مهاجرو القوارب السوريون الفارون إلى أوروبا في الظهور في البحر الأبيض المتوسط، مما يسفر في بعض الأحيان عن نتائج مأساوية.

وهناك نحو 4.5 مليون سوري مهجرون داخل سوريا يمكن وصفهم بأنهم لاجئون يتحينون الفرصة.

لقد توقفت سوريا، إلى حد ما، عن أداء دورها كدولة بالمعنى الطبيعي. فانهارت الشبكة الإدارية أو تحولت إلى آلية للقمع. وتقلص النظام البعثي إلى فصيل واحد في الحرب الأهلية. وليس أدل على ذلك من اعتراف قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري أن هذه الحرب أدت إلى أزمة، وأن جزءا كبيرا من البلاد واقع تحت سيطرة الثوار.

حديث الأميركيين عن القضاء على أسلحة الدمار الشامل هو ذر للرماد في العيون. وبموجب اتفاق واشنطن وموسكو، سيسمح للمفتشين فقط بزيارة المواقع التي «أعلن» عنها فصيل بشار الأسد. ولا يملكون سلطة أو وسائل لتحديد المواقع المشتبه فيها غير المعلنة.

وإذا كان الروس على صواب بشأن «عدم التدخل» فلماذا يروجون لمؤتمر ثان في جنيف يهدف، على وجه التحديد، إلى التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا؟

وإذا كان الأميركيون على حق بأن المسألة هي الأسلحة الكيماوية، فلماذا يقومون بالترويج لجدول أعمال ضخم يشتمل على نوع من التقارب مع ملالي إيران؟

وإن عقد مؤتمر جنيف، بشكله الحالي، لن يكون سوى خدعة من قبل واشنطن وموسكو إلى التظاهر بأنهما يقومان «بشيء ما» تجاه ما يعد الأكثر مأساوية في العالم اليوم.

إن لدى المجتمع الدولي، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة، مصلحة كبرى في التعامل مع المأساة السورية بجدية أكبر. فمخيمات اللاجئين، كما هو الحال دائما، كهوف يقطنها المعذبون في الأرض في دوامة من البؤس والغضب، وتحولت إلى مكان خصب لتجار العنف لتجنيد مقاتلين، في تلك المستنقعات المجازية التي تغذي بعوض الإرهاب بالآلاف.

وسيكون من الحكمة أيضا أن تأخذ الصين القضية على محمل الجد، في وقت تظهر فيها أقليتها المسلمة علامات جديدة على التذمر.

من ناحية أخرى فإن روسيا بدعمها الأسد، تعمل على تشويه صورتها بشكل أكبر بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، تلك الصورة التي اهتزت بالفعل بسبب عقود القمع الوحشي في منطقة القوقاز، وبخاصة الشيشان.

أما بالنسبة لمناورات أوباما الساخرة فإن تأثيرها النهائي هي أن الولايات المتحدة لا يوجد لديها الآن أصدقاء في سوريا على أي من جانبي الصراع.

لقد تطلب الأمر من العالم، وخاصة الدول المجاورة لأفغانستان، ما يقرب من 30 عاما للتغلب على الآثار الناجمة عن تدفق اللاجئين نتيجة الغزو السوفياتي. ونتيجة لكونها منطقة غير خاضعة للقانون وفرت أفغانستان قواعد لعشرات من الجماعات الإرهابية، التي بدأت في العمل ضد روسيا والولايات المتحدة والصين.

هذه المرة، سيكون من الحكمة أن تشعر أوروبا بالقلق هي الأخرى، فتشير التقديرات إلى أن نحو 3000 مواطن في الاتحاد الأوروبي يشاركون في الحرب السورية إلى جانب الفصائل المختلفة، بما في ذلك فصيل تابع للأسد. ولن يكون وجود مناطق غير خاضعة لسيطرة القانون، على النمط الصومالي، على البحر المتوسط، خبرا سارا لأوروبا.

سيكون من الصعب قياس التأثير الطويل الأجل لطوفان اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والأردن. فالعراق يواجه خطرا أكبر لأن انفصال أكراد سوريا، بحكم الأمر الواقع، قد يشعل أحلام كردستان مستقلة (وسوف تناقش هذه القضية في مؤتمر لعموم الأكراد في أربيل الشهر المقبل). وربما تعيد نتائج الأزمة السورية رسم الخريطة في المنطقة.

وبعبارة أخرى فإن الحرب الأهلية السورية قضية دولية، وعدم التعامل معها بالشكل الصحيح سيتحول إلى تقصير في مهمة الأمم المتحدة.

إن للأزمة السورية ثلاثة أوجه:

الوجه الأول هو انهيار هياكل الدولة القائمة على الأمن العسكري منذ الستينات. وبغض النظر عن نتائج الحرب، لن يمكن إنقاذ هذه الهياكل. ومن ثم فإن القضية الأولى تتمثل في كيفية مساعدة سوريا على إنشاء هياكل الدولة الجديدة، واستعادة استقلالها.

الوجه الثاني يتعلق بالتوترات الداخلية بين فصائل الثوار؛ فالجماعات المناهضة للأسد لا تحدوها رغبة كبيرة في التوجه إلى جنيف. والمؤتمر المقترح ليس في الحقيقة عن سوريا، بل جرى تصميمه لتعزيز الوهم بأن أوباما لا يزال يعمل مع العالم في الوقت الذي يمكن فيه لروسيا أن تقدم نفسها كقوة صاعدة.

الوجه الثالث، ربما يكون، هو الأكثر أهمية، ويتعلق بإيجاد سبل ووسائل لتمكين الشعب السوري، ومعظمهم الآن ضحايا صامتون لمأساة تتجاوز سيطرتهم، من الدخول مرة أخرى إلى الساحة السياسية والتوصل إلى رأي حاسم في تشكيل المستقبل.

لقد كانت الانتفاضة السورية الثورة الشعبية الفعلية الوحيدة فيما يسمى «الربيع العربي». وتجاوزت الحواجز العرقية والطائفية، في بدايتها على الأقل، واعتنقت طموحات ديمقراطية قوية.

ومع تحول الانتفاضة إلى حرب تعرضت فيها القوى الشعبية للتحييد، يبدي الأفراد العاديون قدرة واستعدادا على تحمل المخاطر ولو بلغ الأمر التضحية بحياتهم من خلال العصيان المدني والنضال السلمي. ولكن لا يملك الجميع القدرة على حمل البندقية أو تفجير سيارة ملغومة. لقد نجح القمع الوحشي الذي أطلقه الأسد في إنتاج رد فعل عنيف أصبح فيه الكفاح المسلح شعارا.

بيد أنه من الخطأ القول بأن الطريقة الوحيدة للتخلص منه ستأتي عبر فوهة البندقية.

إن سوريا بحاجة إلى عملية انتقال سياسي تتحقق فيها مساعدة جماهير الشعب إلى العودة لتأكيد أنفسهم كحكام لهذه البلاد في المستقبل.

والمجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك القادة الساخرون الحاليون في واشنطن وموسكو، لديهم مصلحة في محاولة جعل ذلك ممكنا.