يستحق صديق خان عمدة لندن الجديد التهنئة بفوزه الذي حققه بجدارة، من خلال كفاحه للتدرّج في الحياة السياسية البريطانية، وانخراطه الحق كمواطن بريطاني من أقلية دينية وإثنية في مجتمعه، وهو المتحدّر من أب باكستاني مهاجر كان سائق حافلة في لندن، لم يحلم ربما بأن ابنه سيصبح وزيرا للمواصلات يومًا.
صديق خان عمدة لندن المسلم الجديد لم يصوّت لصالح سياسة حزبه بخوض الحرب في العراق عام 2003. ببساطة لأنه لم يكن عضوًا في البرلمان!
ويظل أنصار خان موضوع جدل بين محتفين مسلمين يعتبرون فوزه «إنجازهم» حتى لو لم يقتنعوا بالديمقراطية، وبين مستائين يعتقدون أن أول عمدة مسلم للندن يجب أن يحمل قضايا المسلمين حول العالم وفي بريطانيا، ويحقق أحلامهم وآمالهم وهو تصور غير واقعي.
على أرض الواقع ما حققه خان هو:
أولاً: إنجاز لحزب العمال المعارض الذي انتزع من حزب المحافظين الحاكم موقع عمدة لندن الاستراتيجي.
ثانيًا: إنجاز للشعب البريطاني الذي انتخبه رغم التخويف منه كمسلم تحت شعارات إسلاموفوبية أطلقها خصمه الرئيسي، فأثبت الناخب البريطاني «اللندني» ديمقراطيته وموضوعيته.
ثالثًا: إنجاز للمسلمين البريطانيين الديمقراطيين الذين تبنّوا - عن قناعة - الديمقراطية وسيلة للحكم والمشاركة في بناء مجتمعهم، ومحاربة الساعين لتدميره بالتطرف والإرهاب، وهو إنجاز لهم دون غيرهم من مسلمين رافضين للديمقراطية ونتائجها في بريطانيا وغيرها.
معركة تبجيل صديق خان أو شيطنته تخوضها فئات غير الفئات الثلاث المذكورة أعلاه، أي هي معركة خارج السياق المعني بالحدث، تحاول من خلالها أطراف (مسلمة وغير مسلمة) لا تؤمن بالديمقراطية فعلاً إثبات وجهة نظرها، إما بالحديث عن صديق خان كإنجاز لمسلمي العالم، الذين لا يمثلهم ولم يسعَ لتمثيلهم أصلاً، أو كمؤامرة على الإسلام والمسلمين وهو لم يتآمر مع أحد على أحد.
هي معركة تعكس أزمة من يخوضونها، أو أزمتنا نحن، وليس أزمة صديق خان المحامي، الذي يخوض الحياة السياسية منذ انتخابه عضوًا في البرلمان البريطاني عام 2005، ولم يُخفِ التزامه بسياسات حزب العمال (ذي التوجه الاشتراكي) كشخصية قيادية فيه منذ اختاره غوردن براون وزير دولة للمجتمعات (الجاليات) عام 2008، ثم وزير دولة لشؤون المواصلات عام 2009 كعضو رفيع في الحكومة، وكان آنذاك في أعلى منصب وصل إليه بريطاني مسلم (فتح الباب ليتبعه آخرون لاحقًا مثل البارونة وارسي في حكومة المحافظين عام 2012). كما أصبح وزيرا للعدل في حكومة الظل لحزب العمال في المعارضة في عهد إد مليباند.
التزام صديق خان بالشعائر الإسلامية وإيمانه بها كما يصرّح، حق شخصي يجب احترامه. لكن الالتزام بالآليات الديمقراطية حق عام لمجتمعه البريطاني لا يجوز له نقضه، حتى لو أدى إلى إقامة مراسم تنصيبه في كاتدرائية تمثل قسطًا وافرا من ناخبيه اللندنيين الذين سيخدمهم، كما يمثل المسجد والكنيسة لندنيين آخرين. أما التزامه بسياسات الحزب فهو الطريق الموصل للسلطة، عندما يشكل الحزب حكومته في بريطانيا والدول الديمقراطية الغربية، أو عندما يفوز الحزب في الانتخابات المحلية. وهو ما يفعله خان وأمثاله من السياسيين البريطانيين، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية الشخصية ومدى التزامهم بها.
بهذا تصبح القضية، في سياقها الطبيعي، نصرًا لقيم الديمقراطية والتداولية والمساواة والحرية في المجتمع البريطاني بأديانه وأعراقه وتياراته السياسية والاجتماعية المختلفة.
والسؤال الحقيقي الذي تطرحه علينا قصة صديق خان، وتضعنا أمام مسؤوليتنا كسياسيين مسؤولين في أوطاننا المثقلة بأعباء التصنيف والتطييف والترهيب: هل نتبنى نحن هذه القيم في تعاملنا مع مجتمعنا بأطيافه الدينية والمذهبية والإثنية والسياسية والاجتماعية التي نتفق معها أو نختلف؟
* كاتب ومعارض سوري
11:15 دقيقه
TT
أين نحن من صديق خان؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
