جوناثان دي كيفيرلي وجيسي ديلون سافاج
جوناثان دي كيفيرلي، زميل بمركز ودرو ويلسون وباحث مشارك ببرنامج «إم أي تي للدراسات الأمنية»، وجيسي ديلون سافاج محاضر بجامعة ملبورن
TT

تساؤلات حول قوات حفظ السلام

تكشفت كثير من الحقائق على مدى عقود، بشأن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فبمقدورها أن تفعل الكثير عن طريق فصل المتخاصمين وتهدئة المناطق التي يسكنها مدنيون. حدث في بعض المرات أن أدينت تلك القوات بارتكاب انتهاكات وفساد مالي في البلدان التي أرسلت إليها للمساعدة في إحلال السلام فيها، وتعتبر الدول الأقل ثراء المصدر الأكبر لتلك القوات، على عكس الحال في الدول الغنية، التي تكتفي بتمويل تلك العمليات.
ركز الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على تحسين أداء قوات حفظ السلام في مهام التحدي القتالية في الدول التي أرسلت إليها مثل مالي وجنوب السودان. وأعلن الرئيس الأميركي أوباما التزام الولايات المتحدة بإرسال 40 ألف جندي إضافي من الجيش والشرطة من 50 دولة.
غير أن المهمة الأكبر لم تنفذ بعد، فعمليات التدريب، والخبرات القتالية والرواتب الأعلى نسبيًا التي يتقاضاها جنود الدول النامية، كلها قد تشكل عوامل تأثير عليهم عند العودة لبلدانهم. ولذا فالأمم المتحدة في حاجة لدراسة وتوضيح مدى تأثير هذا الوضع عند عودة هؤلاء الجنود إلى أوطانهم. ينطبق السؤال على كثير من الدول، لكن الإجابة لا تزال غائبة ولفترة طويلة، فالبيئة الحالية، التي تشهد الكثير من الصراعات المتزامنة، خلقت سوقًا رائجة لقوات حفظ السلام، وعليه سمحت كثير من الدول النامية للأمم المتحدة باستئجار جنودها. بالمقارنة بالعقود الماضية، تأتي أغلب قوات حفظ السلام الآن من دول ليست فقط فقيرة، بل أقل ديمقراطية، ولا تتمتع بمؤسسات الدولة الحقيقية.
بين عامي 1994 و2014، تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الدول التي أرسلت بقواتها بواقع 64 في المائة. ومن ضمن أكبر خمس دول من الناحية العددية، أرسلت قواتها لمناطق النزاع، حلت باكستان وبنغلاديش، وإثيوبيا، ورواندا. ويلعب العسكريون في تلك الدول دورًا كبيرًا في السياسة المحلية والإقليمية.
في العام المالي الحالي، خصصت الأمم المتحدة أكثر من 8 مليارات دولار لنشر 120 ألف جندي من قوات حفظ السلام. وتدفع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية بسخاء لتمويل تلك العمليات وفى تدريب وتسليح قواتها. بيد أن الولايات المتحدة لا ترسل سوى 100 جندي وضابط أو أقل للمشاركة في مهام الأمم المتحدة.
كذلك زادت قوة وطبيعة عمليات حفظ السلام، إذ باتت اليوم تقوم بمكافحة التمرد، في حين أن دورها كان يقتصر في السابق، وبشكل تقليدي، على الفصل بين الفرقاء، ورصد تحركات الجانبين بعد توقف القتال بينهما.
ويبلغ الراتب الشهري للجندي في قوات حفظ السلام 1332 دولارًا، وهو مبلغ يعادل في الغالب من ثلاثة أضعاف إلى 20 ضعفا ما يتقاضاه الجندي في بلاده.
لكن ماذا يحدث عندما تنتهي مهام هؤلاء الجنود؟ هل تتغير الأمور للأحسن أم للأسوأ؟ إذ إن تدريبات حفظ السلام والقتال، تقدم خبرات من الممكن توظيفها في الأمن الداخلي أو (القمع) في بلدان هؤلاء الجنود.
إذن من الممكن لمثل هذا التدفق النقدي أن يساهم في زعزعة الاستقرار. فحسب ماغي دوير، أستاذة الدراسات الأفريقية بجامعة أدنبره، فإن عشر حالات تمرد على الأقل في غرب أفريقيا منذ عام 1991 جرى ربطها بشكاوى قوات حفظ السلام العائدة، والتي شعرت بخيبة الأمل لنقصان رواتبها في بلدانها، مقارنة بما كانت تتقاضاه في قوات حفظ السلام، بالإضافة إلى الفساد الذي شاهده أفراد تلك القوات في الضباط الأعلى رتبة.
في النهاية، قد تستخدم الأنظمة مساهمات حفظ السلام، بديلاً عن المعونات المقدمة من هيئات المعونة الدولية، لتقاوم الضغوط الرامية إلى إجراء إصلاحات داخلية.
الخلاصة هي أن تدفق المال الوفير والتدريب والخبرات القتالية لقوات حفظ السلام، غالبا ما يكون لها تأثيرات كبيرة على بلدانها. لكن بالنظر إلى المطالب الحالية، لا تستطيع الأمم المتحدة بمفردها أن تنتقي المكان الذي تختار منه قواتها.
وبناء عليه، إن أراد الغرب أن يعكس المنحى التنازلي للمال والديمقراطية، في الدول التي ترسل بقواتها بأعداد كبيرة، فالمسألة ليست مجرد دفع أموال لسد الأفواه، إذ يتعين على الولايات المتحدة وغيرها من الدول، إرسال قواتها أيضًا، مما يخفف من الحاجة إلى إرسال جنود من الدول التي تشهد نزاعات داخلية.

*خدمة «نيويورك تايمز»