ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

كان «زمان»

بالنسبة إلى شريحة واسعة من العرب المتحمسين لسقوط النظام السوري، لا شيء يدعو إلى الدهشة أو الاستنكار في تركيا، خصوصًا في مسألة الصحافة والحريات. يكتفي هؤلاء، وفي مقدمهم مجموعات من المعارضة السورية، بترداد تعليقات تبسيطية عن جمال تركيا وطبيعتها وتطورها، ورصف عبارات الإعجاب والانبهار بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهنا يضعون نقطة ويصمتون. كذلك يفعل الإعلام العربي الذي يندرج في الخانة المتحالفة مع تركيا؛ إذ تكاد تختفي كل الموضوعات التي تتعلق بالانتهاكات التي تحصل فيها. صحيح أن موقف إردوغان المناهض للنظام السوري، واستقبال بلاده للاجئين السوريين، نقطتان مهمتان، وللرجل إنجازات ونجاحات اقتصادية وسياسية هائلة، لكن سجله الحقوقي والديمقراطي في تراجع مخيف، وهنا لا نكشف جديدًا، فذاك بات شائعًا ومعروفًا وموثقًا أيضًا، لكن مع ذلك لا يتوقف ذاك الانبهار والإعجاب الساذج أحيانًا والخبيث في أحيان كثيرة أخرى، في دوائر عربية كثيرة، خصوصًا في أوساط من المعارضة السورية.
في الأسابيع الأخيرة تصاعدت سياسات وممارسات تركية مقلقة جدًا، وتحديدًا في مجال الحريات، فالسلطات استولت مؤخرًا على صحيفة «زمان» التي رضخت للضغوط الكبرى وباتت تنطق بمضمون ينسجم مع رغبة الحكومة والرئيس إردوغان. قبل ذلك ظهر غضب حكومي بعد قرار المحكمة الإفراج عن صحافيين بارزين سجنوا خلافًا للقانون بعد أن كشفوا تسجيلات عن تورط النظام التركي في إرسال أسلحة إلى مجموعات متشددة في سوريا. وهناك في تركيا مسار تراكمي منذ عام 2002 ينال بشكل منظم من حرية التعبير والصحافة والحقوق الفردية، بحيث يواجه الصحافيون الذين ينتقدون سلطة إردوغان تضييقًا يتراوح بين الإقصاء من العمل والملاحقة القضائية، عدا تفاقم مراقبة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وتضاف إلى ما سبق ظاهرة إقدام مجموعات شبابية تابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، على تنفيذ اعتداءات جسدية مباشرة بالضرب ضد معارضين. والحريات في تركيا تتأرجح صعودًا ونزولاً، خصوصًا في العام الأخير؛ حيث لا تكاد الصراعات تتوقف، خصوصًا في الساحة القضائية، وهو ما دفع ببعض المعلقين الأتراك للربط بين ما ترتكبه الحكومة الحالية وما كان يحدث إبان عهد سيطرة الجيش.
ولعل التجاهل الكبير للمحنة التي مر بها الصحافي والكاتب جان دوندار الذي اتهم بالخيانة لأنه نشر ما يثبت تورط الاستخبارات التركية في تمويل جماعات متطرفة في سوريا، نموذج للبكم الذي يصيب الهائمين في حب إردوغان، خصوصًا العرب، والمعارضين السوريين منهم. طبعًا لا يقتصر تجاهل هؤلاء على ما يتعرض له الصحافيون الأتراك؛ بل هم لا يعيرون أي اهتمام لما يرتكبه إردوغان في الداخل التركي وإزاء الأكراد، وحتى قبل هذا لا يشككون ألبتة في سياسته نفسها حيال المسألة السورية، وهي سياسة لا تغلفها حسن النيات، بل كثير من المصالح والأهداف.
والصمت الذي يبديه معارضون سوريون تحديدًا حيال ما يرتكبه إردوغان، فيه سقوط سياسي وأخلاقي، بحيث يوحي بأن من يعارض بشار الأسد لا يعارضه لطغيان نظامه وإجرامه، قدر ما يسعى للحلول محله. وما تجربة صحيفة «زمان» التي كانت معارضة وتم الضغط عليها حتى باتت تروّج لإردوغان، إلا نموذج يضعه رجل تركيا القوي أمامنا وكأنه يغني: «حريات!! ده كان زمان»، ومع ذلك، سيبقى يجد من يسبح بحمده دون نقاش.
[email protected]