اتجهت هيلاري كلينتون مساء أول من أمس (الاثنين)، مع فرز الأصوات الذي لم ينتهِ والذي يشير إلى ملامح انتصار هزيل لها، نحو الميكروفون، وابتهجت أمام الحضور بابتسامة نصر سينمائية بديعة وقالت لمؤيديها إنها تنفست الصعداء أخيرا.
لم تكن كذلك، وهي ليست كذلك، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك.
وليس السبب هو ما حدث في ولاية آيوا - فلقد اقتربت من حدّ التعادل بينها وبين بيرني ساندرز - الذي خفف إلى حد كبير من قبضتها على ترشيحات الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. كانت ولاية آيوا ساحة حرب بالنسبة إلى ساندرز أكثر مما ينتظره في المستقبل، ومن بين الديناميات التي جعلتها من أقوى المرشحين لكي تفوز بترشيح الحزب من ناحية المؤتمرات الحزبية في الولاية لا تزال هي الديناميات التي تحافظ على أفضليتها لدى كثير من الناخبين حتى الآن.
ولكن ولاية آيوا أثبتت، مرة أخرى، إلى أي مدى كانت هيلاري كلينتون مرشحة معيبة ومشوهة. وعلى الجانب الجمهوري من السباق، تبشر المؤتمرات الحزبية في الولاية ذاتها بإمكانية تراجع ما في حالة الجنون، التي أصابت الحزب القديم وصعود المرشح المنافس، ماركو روبيو، الذي قد يسبب لها كثيرا من المتاعب في منافسات الانتخابات العامة.
ربما كان ينبغي عليها هزيمة ساندرز. أجل، هو يتواصل بصورة أصلية وتقليدية مع الجماهير المتعطشة لذلك، كما أنه عبّر عن قلق شريحة كبرى من المهتمين باقتصاد البلاد. ولكن تاريخه الضئيل في مجلس الشيوخ الأميركي يشير إلى احتمال مقدرته على تحويل الكلام المعسول إلى واقع ملموس.
والرئيس أوباما يفضل السيدة كلينتون بمنتهى الوضوح. وفي استطلاع لرأي الديمقراطيين كما تُظهر انتخابات ولاية آيوا، فن نسبة تفوق 50 في المائة تقول إنهم يريدون شخصا يواصل تطبيق أجندة أعمال الرئيس أوباما - وهو بالضبط التعهد الذي ظلت السيدة كلينتون تطلقه خلال الأسابيع القليلة الماضية - في حين أن ثلث ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم يريدون شخصا أكثر ليبرالية.
وحتى مع ذلك، يبدو أن السيدة كلينتون قد تفوقت على السيد ساندرز بنقاط عشرية مجردة. ولكن كيف يمكن تفسير ذلك؟
ربما من خلال أكثر البديهيات السياسية ثباتا: الانتخابات غير معنية إلا بالمستقبل. وكثير مما يدور حول السيدة كلينتون يصرخ بإنجازات الماضي.
حيث بدأت إحدى المسيرات المؤدية لها، التي حضرتها بنفسي في ولاية آيوا الأسبوع الماضي، بعرض لأبرز مواقف كلينتون عبر الزمن، بما في ذلك كثير من اللقطات المصورة منذ فترة التسعينات.
وإنني أتفهم السبب وراء ذلك. إذ إن الأثر الرجعي يؤسس لتجاربها السياسية الاستثنائية. لكن خطابها الذي جاء عقب ذلك كان خاليا من أي تطلعات مستقبلية بقدر ما عبرت الصور واللقطات عن تاريخها وإرثها السابق.
إنها تؤكد مرارا وتكرارا عما تحملته وتعرضت له فيما سبق، وما نجت منه وصمدت في وجهه طيلة حياتها.
إنها لغة التعب والكدح والعمل الجاد، بدلا من أن تكون لغة الإلهام والمستقبل، وتبدو في خطابها كأنها تجمع من الناخبين فواتير الديون المستحقة لها، حيث تطلب منهم استكمال مسارها السياسي، بدلا من البدء من جديد مع مرشح من عنديات أنفسهم.
وللسيدة كلينتون عادة معروفة، سواء كانت تخاطب جمعا كبيرا أو صغيرا من الناخبين، حيث تغوص بعمق كبير في جذور المسألة التي تناقشها حتى إنها تُرهق المتابعين لها، بدلا من إبهارهم. ومن المزايا الخاصة بها أنها اهتمت بتعليم نفسها أكثر بكثير من غيرها من السياسيين. لكن يبدو أنها لم تتعلم كيفية استخدام سعة الاطلاع والمعرفة بشكل جيد.
لا شك، المركز الثاني قد يكون بمثابة فجر جديد بالنسبة لدونالد ترامب، كما أن المركز الثالث الذي حققه روبيو قضى على آمال المؤيدين بأن يكون هو الرئيس المنتظر.
تحتاج السيدة كلينتون إلى إقناع الناخبين بقدر ما يتابعونها على أنها لا تزال تقودهم إلى مكان لم يشاهدوه من قبل. وهي لم تنجح في ذلك حتى الآن، وهي ترهق نفسها كثيرا في ولاية آيوا بالقدر نفسه الذي كانت تفعله قبل ثماني سنوات: مع كثير مما تريد إثباته فضلا عن الاستفادة منه.
* خدمة «نيويورك تايمز»
TT
هيلاري كلينتون.. إرهاق لا إبهار
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة