حنا صالح
صحافي وكاتب لبناني. رئيس تحرير جريدة «النداء» اليومية (1975 - 1985). مؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير عام راديو «صوت الشعب» (1986 - 1994). مؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير عام تلفزيون «الجديد» (1990 - 1994). مؤسس ومدير عام «دلتا برودكشن» لخدمات الأخبار والإنتاج المرئي (2006 - 2017). كاتب في «الشرق الأوسط».
TT

لبنان... إصرار الحزب والتربص الصهيوني

استمع إلى المقالة

يمكن القول بثقة إن العام الذي نُودعه كان عام خريف السلاح اللاشرعي، وعام افتضاح «المقاومة» الصوتية لـ«حزب الله»، بتكرار محاولات بيع الأوهام والتضليل وتسويق الأكاذيب. فالسلاح خارج الدولة رسّخ حقيقةً بأنه لا يردع ولا يحمي حتى حامليه ولا يصون الأرض ولا يحفظ كرامة. تهاوت سرديات ما سُمي «مجتمع المقاومة»، والانتصارات المزعومة، أمام وقائع صلبة قالت إن بقاء السلاح الفئوي، دون القدرة على الفعل أمام الاستباحة الصهيونية اليومية، بات المبرر لبقاء الاحتلال وتمدده، ومفاقمة التهجير، واتساع رقعة البلدات التي تحولت إلى أنقاض.

تعامى أهل «المقاومة» الصوتية عن الحقائق، وتجاهلوا معاناة طالت «البيئة»، تكوي بنارها الناس المتروكة لمصيرها، وأطلت لعبة خطرة، بوهم القدرة على بقاء لبنان ورقة في أجندة المشروع الإيراني، فبدأ «حزب الله» الرافض تسليم السلاح يعمم أقاويل مفادها أن ما يسري على جنوب الليطاني لجهة حصر السلاح، لا يسري على شماله. إنه المنحى الأخطر على البلد ليس فقط لأنه يخرق قرارات مجلس الوزراء بحصر السلاح بيد القوى الشرعية في كل لبنان، بل لأنه يهدد بتضييع فرصة جدية لاستعادة الدولة، ويمعن في نهج الإنكار رغم الأثمان التي رتبتها جريمة حرب «الإسناد».

استفاد أصحاب هذه الطروحات من تراخٍ سياسيٍ خطير نتيجة تباينات تجاهلت التحذير من أبعاد التنكر لقرار «وقف الأعمال العدائية»، وأظهرت كسلاً مريباً في التعامل مع طروحاتٍ يمكن لها أن تنقذ البلد من هزيمة مروعة آتية. وبدا مرات وكأنه فات جهات رسمية أن اتفاق وقف النار حدّد مصير السلاح بإقرار نزعه كاملاً ونهائياً، واستغل العدو ما وصفه بتلكؤ في التنفيذ، لتوسيع نطاق العدوان وأدرج اعتداءاته الآثمة منذ 13 شهراً في سياق منع «الحزب» من ترميم قدراته.

في هذا التوقيت كشف نواف سلام أن الانتهاء من حصر السلاح جنوب الليطاني مسألة أيام، ولا تراجع عن قرارات 5 أغسطس (آب) بنزعه على كامل الأراضي اللبنانية، وأن الجيش بات عشية بدئه المرحلة الثانية التي تشمل نزع السلاح بين نهري الليطاني والأولي (شمال مدينة صيدا)، أي جعل كل الجنوب منطقة عمليات للجيش، معطوف على ذلك حظر حمل السلاح أو نقله في بقية المناطق. وأعاد سلام التأكيد على أن قرار الحرب والسلم بيد السلطة، ووحده الجيش مسؤول عن الدفاع عن لبنان واللبنانيين، بما فيهم عناصر «حزب الله» الذين يتعرَّضون لتصفية يومية، نتيجة رعونة قرارات لا تقيم وزناً لحياة المواطنين، وبذلك أسقطَ موقفُ سلام ترهات دأب «حزب الله» على إطلاقها، قالت بحصر الاتفاق بجنوب الليطاني، وأنه لا تراجع عن الاحتفاظ بالسلاح وتالياً الوظيفة والدور التي أُنشئ من أجلهما.

بعد 13 شهراً على اتفاق وقف النار، و13 شهراً من الاستباحة والقتل يقابلهما عجز «حزب الله» المطلق عن أي رد رغم ارتسام معالم المنطقة الأمنية المحتلة، بات مسيئاً للبلد ولمصالح أهله تكرار دعوات «المقاومة» الصوتية عن «الجهوزية» واعتبار السلاح «خطاً أحمرَ». والتنكر لنتائج ما آل إليه مسار المقاومة من فشل رغم السلاح والمال أصبح قاتلاً، ولا يجوز التعامي عن تحولات المنطقة المتسارعة، وأهمها أن سوريا الجديدة أخرجت النفوذ الإيراني بعد تحطيم أذرعه، وبات الزمن غير قابل للتكرار، ومتعذر العودة إلى ميلشة الدولة!

ولأنَّ لبنان لا يملك ترف الوقت وأساساً لم يختر المواجهة المفروضة التي قد تخرق كل السقوف وتهدد بقاء الكيان اللبناني، فهناك إجراءات وقرارات لا تقبل التأجيل: أولها، أن يتضمن جدول الأعمال تفكيك البنى العسكرية الميليشياوية، التي تتستر بلباس كشفي. فهذه الخطوة لم تعد خياراً بل ضرورة لإلغاء الأساس الذي شلّع الدولة، وهو بالضبط ما وافق عليه المفاوض باسم لبنان السيد نبيه بري وأيده نعيم قاسم بالصورة والصوت، وتضمنه البند السابع من الاتفاق، وتتمته تفكيك البنى الموازية للبنى العسكرية وشكلت أساس ظاهرة الدويلة كـ«الاقتصاد الموازي» ومن تجلياته «القرض الحسن».

وثانيها أنه مع تسفيه سردية زعمت أن نزع السلاح يعادل نزع قوة لبنان، لا بد بعد تضمين البيان الوزاري للحكومة اعتناق الخيار الدبلوماسي لتحرير الأرض واستعادة الأسرى، من إيجاد صيغة لا لبس فيها تؤكد نهاية العمل العسكري من لبنان ضد الكيان الإسرائيلي، فتُفتح نافذة جدية لإمكانية تفعيل اتفاق الهدنة ورقة القوة اللبنانية لاستعادة كل الأرض. ولأن التشديد على المواجهة السياسية ينهي ربط البلد مع الاستراتيجية الإيرانية، فبدء المرحلة الثانية لنزع السلاح من شمال الليطاني يسقط جُلَّ ذرائع العدو ويدعم أداء المفاوض اللبناني، في حين أن التقدم الملموس في تفكيك البنى العسكرية الميليشياوية من لبنانية وفلسطينية ممر إجباري لبسط السيادة وحصر المواجهة بيد الدولة، ليكون ممكناً بدء زمن إعادة إعمار ما دمره العدو الإسرائيلي خلال حرب «الإسناد» التي بدأها «حزب الله» وبدء العودة المستدامة.

مخيف ومقلق الوضع، البلد أنقاض، والإنكار والإصرار على المناورة استخفاف قد يجدد الكارثة.

الخوف حقيقي وكبير من أن يخدم بعض ما يجري التوحش الصهيوني. لقد صدَع الزلزال السوري الميليشيات، فسارعت «لضبضبة» وضعها في العراق، ووفق مستشار رئيس الحكومة العراقية السوداني فإنها بين الحل الطوعي لتركيبتها أو القسري، لأن الأساس عدم تعريض العراق لضربات من العدو الإسرائيلي، على غرار ما تعرضت له ميليشيات الحوثي وكفى: دبابات العدو في قلب وادي الحجير وتقدمت إلى عدشيت والقنطرة، والأهالي الذين عادوا هربوا إلى دير سريان والقصير قبل أن ينزح أهالي البلدتين مجدداً خوفاً من تقدم قوات الاحتلال!