علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الرؤية الخاطئة

استمع إلى المقالة

التنقل الوظيفي أمر طبيعي يتم بين الموظفين والوظائف، وللتنقل الوظيفي أسباب عدة، أهمها البحث عن مرتب أفضل؛ أي رغبة الموظف في زيادة دخله، أو البحث عن بيئة عمل أفضل، وللتنقل الوظيفي فوائد عدة، منها اكتساب مهارات ومعارف جديدة، ثم زيادة خبرة الموظف، وقد يجد الموظف المنتقل ضالته في بيئة العمل الجديدة، من جانب آخر قد يصبح الموظف المنتقل من عمل لآخر سفيراً لعمله القديم لدى عمله الجديد.

وفي هذا السياق سأروي لكم تجربةً عاصرتها، كنت أعمل في ديوان الخدمة المدنية الذي انضم فيما بعد لوزارة الموارد البشرية، وكان رئيس الديوان آنذاك الأستاذ تركي بن خالد السديري، وكان الديوان معنياً بموظفي الدولة المدنيين من التعيين إلى مغادرة الوظيفة فهو معني بمسوغات تعيين الموظف وترقيته وإجازته وطي خدمته، أي أن الديوان على تماس مباشر بجميع وزارات ومصالح الدولة المدنية.

وكان موظفو الديوان مطلوبين في الجهات الحكومية كمديري شؤون موظفين لمعرفتهم بالأنظمة، ولتسهيل حركة العمل بين الديوان والمصالح الحكومية.

الجميل في الأمر أن الأستاذ تركي بن خالد السديري كان يشجع انتقال موظفي الديوان إلى المصالح الحكومية، ويرى أنهم سفراء الديوان لدى تلك الجهات.

لم أعرف أن لهذه المرونة من قبل السديري عائداً اقتصادياً رائعاً، فمثلاً هي تقلل وقت دورة العمل بحكم أن موظف الديوان المنتقل لجهة حكومية يعرف الأنظمة تماماً فيرفع للديوان ما يعرف أنه يمر بسلاسة وهذا يقلل وقت دوران المعاملة، والوقت مال.

الموظف المنتقل غالباً ما يكون على علاقة جيدة بزملائه في الديوان ما يسهل التواصل والتشاور قبل رفع المعاملة لهم ما يضمن أن تسير الإجراءات بسلاسة، وهذا يخفض دورة العمل، ويوفر الجهد والمال والوقت.

الموظف المنتقل إلى عمل جديد هو سفير العمل القديم، لذلك يجب أن يُدعم من مؤسسته القديمة، خصوصاً وأن معظم المنتقلين من عمل إلى عمل تكون أعمالهم القديمة والجديدة ذات صلة.

الرؤية الخاطئة من المديرين أنهم يحاولون الوقوف في وجه زميلهم المنتقل، دون سبب وجيه، ناسين أن الفيصل بينهم الأنظمة، فلن يستطيع مديرٌ قليل الخبرة أن يقف ضد طلب لموظف قديم لديه منتقل لأن الفيصل النظام، والمراجع العليا لن تقبل بتصرف كهذا، بينما المدير الناجح وصاحب الرؤية الناضجة يقف في صف الموظف المنتقل لأنه يراه سفيراً له، ويخفف عليه دورة العمل ويوفر عليه الوقت ويقلل التكلفة الاقتصادية في دورة العمل لجميع الأطراف، لأن البيروقراطية في دورة العمل ذات تكلفة اقتصادية عالية، فتصور عزيزي القارئ أن فرداً حاول الحصول على ترخيص لمصنعه وتم مماطلته لمدة طويلة فكم ستكون تكلفة هذه المماطلة على الاقتصاد الوطني؟ بالتأكيد ستكون تكلفة مرتفعة جداً. ودمتم.