سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

المدينة العمياء

استمع إلى المقالة

«البطل» في رواية «العمى» للبرتغالي ساراماغو (نوبل 1998) ليس فرداً بل شعب مدينة كاملة. لا يعطي ساراماغو المدينة اسماً أو بلداً إنما وباء يصاب به أهلها جميعاً إلا زوجة طبيب العيون التي ظلت بصيرة كي تدون أحداث الجائحة. لكن هي أيضاً تتظاهر بالإصابة.

«العمى» ليست أول رواية بطلها شعب بأكمله. أو جماعة أو مدينة. سبقه إلى ذلك ألبير كامو في رائعته «الطاعون»، وجورج أورويل في «1984». ولعله تأثر في عمله بالأخير. تعود سردية «العمى» إلى المرء كلما رأى الجماعات من حوله تُصاب بالأوبئة العقلية أو الجسمانية. مجموعة تتحدث لغة وحشية واحدة أو تتصرف بجنف واحد أو يسجنها وباء واحد مثل «كورونا» الذي لا يزال يدك بعض أنحاء المعمورة إلى اليوم.

الأوبئة النفسية أشد قساوة. ليس صدفة أن العمى عند ساراماغو يبدأ في عيادة طبيب العيون. أي المسؤول عن البصائر في المدينة. وهل كان في ذلك يقلد كامو حيث تظهر أولى علامات الطاعون على جرذ ميت بباب عيادة الدكتور رايو.

ربح ساراماغو للبرتغال «نوبل للآداب» الوحيدة. كتب في الشعر والسياسة والمقال ثم رفع الراية البيضاء معلناً أنه لا يوجد كتابة شيء سوى الرواية. جاء إلى الأدب من حياة روائية هي أيضاً. كان والداه من الرعاة الجوالين الذين لا يملكون قطعة أرض، وهي أقسى حالات الفقر. وترك المدرسة مبكراً لكي يعمل ميكانيكياً في كاراج سيارات ثم صانع أقفال. ومن ثم انتقل إلى الصحافة ومنها إلى التفرغ للكتابة مكرساً حياته (1922 - 2010) للكتابة عن البائسين. وكان من أبرز مؤيدي القضية الفلسطينية. وقد كتبت هنا مرة عن مدى إعجابه بأعمال محمود درويش التي ظل يعود إليها في المدونة التي ظل يكتبها حتى أيامه الأخيرة.

كانت قراءة تلك المدونة من متع الثقافات. خصوصاً منها الحضارة العربية التي تشبع منها ابن الجزيرة الأيبيرية وامتدادات الأندلس.