بعد تصفيات طويلة ومثيرة تخلص أنصار المنتخب السعودي من كابوس غياب «الأخضر» عن بطولة كأس العالم المقبلة، وتمكن المدرب الفرنسي هيرفي رينارد بشق الأنفس من إصلاح ما أفسده سلفه الإيطالي روبرتو مانشيني، المتسبب الأول في إهدار النقاط وتراجع مستوى اللاعبين في الإقصائيات الأسهل بمقاعدها الثمانية المؤهلة إلى مونديال 2026.
ولم يكن من السهل على الشارع الرياضي أن يتقبل غياب المنتخب السعودي عن نهائيات كأس العالم، بعدما زاد عدد البطاقات المؤهلة إلى عدد يسمح بصعوده إلى المونديال بأقل جهد، خاصة أن الفريق اعتاد على انتزاع التأهل من خلال مقعدين كانا مخصصين للقارة الآسيوية، ولعل دموع بعض اللاعبين بعد التأهل، تعكس مشاعر الانتقال من فكرة الإخفاق والحسرة إلى الفرحة بتخطي كل الأفكار السلبية واستعادة الثقة بالنفس، حتى وإن جاء التأهل من باب الملحق للمرة الأولى في تاريخ وصول «الأخضر» إلى المناسبة الرياضية الأهم.
وجاء التأهل المونديالي السابع كإنقاذ لاتحاد كرة القدم السعودي الذي ما زال يعاني من تبعات قرار التعاقد مع مانشيني حتى مساء الثلاثاء الماضي، قبل أن تطوي صافرة الحكم الأردني أدهم مخادمة صفحة الإخفاق بتحقيق هدف الوصول إلى كأس العالم، وتحييد تأثير أخطاء المدرب الإيطالي والطاقم الإداري حينها على مسيرة المنتخب، ويبدو أن اتحاد اللعبة خاض تجربة صعبة تغنيه مستقبلاً عن المغامرات غير محسوبة العواقب، على نحو الاستعانة بمدرب لمجرد شهرته العالمية أو إداري لقدرته على إرضاء المسؤول بترديد الكلام المعسول.
نجاح المدرب هيرفي رينارد ومعه مدير المنتخب صالح الداوود في احتواء اللاعبين ومساعدتهم على استعادة الثقة، كان كافياً لإثبات أن الاهتمام بالجانب المعنوي وخلق حالة إيجابية في معسكر الفريق قبل المباريات الحاسمة، أولويات لا يمكن لكثير من المدربين أو الإداريين إدراك أهميتها وتأثيرها على الأداء، لاعتبار أن هؤلاء يتعاملون مع كرة القدم على أنها برمجيات وجوانب فنية بالدرجة الأولى، دون أدنى اعتبار لبناء علاقة جيدة مع اللاعب تمنحه التهيئة النفسية لإظهار أقصى ما لديه في الملعب، ويكفي دليلاً تغير حال حارس المرمى نواف العقيدي إلى الأفضل، وظهوره في المباراة الحاسمة بمستوى يفوق بمراحل ما كان عليه قبل إبعاده عن المنتخب، إذ تمكن العقيدي من تجاوز حقبة مانشيني وما صاحبها من أحداث أفسدت أجواء المعسكر بفعل غطرسة المدرب، وغياب الدور الإداري في السيطرة على الخلافات.
ويبقى، أن رينارد ليس أفضل مدرب في العالم، لكنه الأنسب حالياً لقيادة المنتخب السعودي في المونديال، بسبب اهتمامه بالجانب المعنوي وقدرته على التعامل مع اللاعبين بإيجابية، وهذا ربما يكفي لتغطية عيوبه الفنية وسوء اختياراته في بعض المباريات، ويحسب لهذا المدرب امتلاكه لمهارات اتصال تساعده في التأثير إيجاباً على اللاعب في أكثر المباريات صعوبة، كما حدث في مونديال قطر 2022 حين قادت عباراته المنتخب السعودي إلى تضييق الفارق الفني مع المنافس والفوز على الأرجنتين، في إنجاز كان سببه المعنويات المرتفعة وروح الفريق وليس التكتيك وطريقة اللعب.
