وجه الإنسان يكشف جانباً من خباياه. غير أن النفس البشرية أعقد من أن تُفهَم في أحيان كثيرة. فتجد حقوداً يبادلك ابتسامة مُحِب، وكذوباً يخدعك بملامح وديعة. ما نعرفه أن لمس الأنف يوحي بالتوتر، والفم يعكس كبتاً أو تفكيراً، والذقن إيماءة للتأمل. أما العين والجبهة والحاجب فيرتبط لمسها عادةً بالإرهاق الذهني أو الانشغال العاطفي.
اللافت ما توصل إليه علماء من جامعة كورنيل الأميركية من ابتكار جهاز جديد يُثبت حول العُنُق، ويستطيع التعرف على لحظة لمس الوجه في أجزاء من الثانية. إذ يمكن لهذا الجهاز (الذي يشبه مشبك ربطة عنق) أن يلتقط بالأشعة تحت الحمراء حركة اليدين بدقة بلغت 92 في المائة. بمعنى أن التكنولوجيا صار في مقدورها أن ترسل رسالة لرئيس فريق تفاوضي تنبهه إلى أنه سوف يلمس أنفه بعد لحظات لعله ينتبه. ذلك أن مس الأنف أو حكه غالباً ما يُفسَّران في الأدبيات على أنه إشارة إلى عدم اليقين أو التوتر أو تلطيف للشعور النفسي. ولذلك كان من أبجديات الظهور على الشاشات تجنب حك الوجه، خصوصاً في المناظرات والنقاشات الساخنة.
اللطيف أن الجهاز المذكور يمكنه أن يفرق بين لمس العين والأنف والأذن والفم والجبهة والحاجب والذقن والرقبة وأعلى الرأس، وبين أنشطة أخرى يومية مثل تناول المأكولات والمشروبات وتنظيف الأسنان والتحدث والتثاؤب. ذلك أن الدراسة أجريت في مختبرات وفي منازل المشاركين.
يمتاز هذا الجهاز عن غيره بقدرته على تحديد الموضع المحدد في الوجه الذي شعر صاحبه بالوخز فيه، وهي نقلة نوعية في هذا المجال. وصار «يتنبأ» بأن اليد سوف تلمس الأنف بعد برهة. ويمكن للجهاز أيضاً «التدخل» لتنبيه الشخص قبل حدوث اللمس عبر تنبيهات وإشعارات اهتزازية. ولو استطاع العلماء إدخال ذلك في ساعات اليد والأساور فقد تكشف العديد من المحاولات الخادعة من الطرفين.
إذ توصلت دراسة عن الكذب في أميركا عام 2010 للباحث سيروتا وزملائه إلى أن 41 في المائة كذبوا مرة واحدة إلى ثلاث مرات في آخر 24 ساعة، إلا أن المفارقة كانت أن نصف الأكاذيب جاءت من 5 في المائة من المشاركين! بمعنى أن قلة صغيرة مسؤولة عن غالبية الأكاذيب، ولم يشعر أحد منهم بوخز الضمير قبل وخز الأنف!
