عبد العزيز الغيامة
صحافي سعودي منذ 1998 وحاصل على وسام الإعلام الرياضي العربي من الاتحاد العربي للصحافة الرياضية عام 2022 ورئيس لقسم الرياضة في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

نظام النخبة الآسيوي… «الواجهة المشوهة»!

استمع إلى المقالة

من يُمعن النظر في كرة القدم الآسيوية اليوم، يكتشف سريعاً أن ما سُمّي بـ«دوري النخبة الآسيوي» ليس سوى «عنوان برّاق» يخفي وراءه خللاً عميقاً في أساسياته ومعاييره واستراتيجيته.

الفكرة التي رُوّج لها على أنها خطوة لتطوير اللعبة في القارة، تحوّلت في الحقيقة إلى «نظام مشوّه» لا يعكس الواقع ولا يُنصف الأندية ولا الجماهير ولا التاريخ ولا الدوريات الوطنية.

وبدلاً من أن يكون المشروع «نقلة نوعية» لكرة القدم الآسيوية، أصبح تجسيداً لأزمة «المعايير المرتبكة والمهترئة» وغير المنطقية.

تصوّروا أن الدوري السعودي، الذي يُصنّف اليوم بين أقوى 10 دوريات في العالم من حيث القيمة السوقية والنجوم والتأثير الإعلامي، لا يُسمح له سوى بثلاثة مقاعد في دوري النخبة، فيما يجد نادٍ بحجم «النصر» نفسه مضطراً للظهور في بطولة ثانوية تحمل اسم «دوري أبطال آسيا 2».

هذا الفريق الذي يضم أبرز النجوم العالميين بقيادة كريستيانو رونالدو وتُقدَّر قيمته في السوق بمئات الملايين من الدولارات لا يمكنه تمثيل القارة في واجهتها الأولى، والحقيقة أن العدد المحدود لا يعكس مكانة الكرة السعودية التي تستحق ستة مقاعد على الأقل.

ليس النصر فقط، بل أيضاً القادسية الذي أظهر حضوراً لافتاً في الموسم الماضي بعد استحواذ عملاق الطاقة العالمي «أرامكو» عليه لم يكن بمقدوره المشاركة لأنه حل رابعاً في الدوري السعودي الموسم الماضي لتخطئه معايير الاتحاد الآسيوي «البالية» ويجد نفسه مضطراً للاعتذار عن المشاركة في البطولة الخليجية الإقليمية التي بلا شك لا تليق بمكانته وطموحه.

لا نتحدث عن أندية سعودية فقط، بل حتى الأندية اليابانية تعاني من حرمانها بسبب قلة المقاعد، حيث يغيب غامبا أوساكا وكاشيما أنتلرز وكذلك الحال لبوهانغ ستيلرز الكوري الجنوبي أحد أعرق أندية الشرق، حيث يوجد في «البطولة الثانوية»، وكذلك الاستقلال وسايباهان الإيرانيان والوصل الإماراتي والزوراء العراقي.

في تقديري الشخصي، الصورة تزداد تشوّهاً حين ننظر إلى الدوريات العربية العريقة في الكويت والبحرين وعُمان والأردن ولبنان والعراق.

لكم أن تتخيلوا مثلاً أن القادسية والكويت والعربي غائبة عن «المشهد الرئيسي» في آسيا منذ سنوات طويلة مع حضور «نادر جداً» بحجة المعايير الاحترافية، رغم تاريخها الطويل وجماهيريتها الكبيرة وإرث الكويت الكروي، في حين تُفتح الأبواب لفرق من سنغافورة وتركمانستان وماليزيا ببنية تحتية وملاعب لا تفوق تلك التي تملكها عمان والأردن والكويت والبحرين.

المحرق والرفاع والخالدية في البحرين، والفيصلي والوحدات في الأردن، وأندية الدوري العُماني الجميل بمدرجاته وملاعبه... كلها خارج حسابات النخبة، فقط لأن معايير الاتحاد الآسيوي «الاحترافية» تُطبّق بصورة غير دقيقة وغير منطقية.

تصوّروا أن دوري التحدي الآسيوي بات يضم أندية بحجم القادسية الكويتي أو أندية لبنانية عريقة، وهي التي صنعت شعبية كبرى في محيطها المحلي والإقليمي.

كيف يمكن مساواة هذه الأسماء بأندية لا يعرفها حتى جمهورها المحلي؟ هذا «التهميش» لا يخدم «التطوير المزعوم»، بل يرسّخ شعوراً بالظلم ويُبعد الجماهير عن التفاعل مع المسابقات القارية.

الاتحاد الآسيوي بحاجة إلى غربلة شاملة لمعاييره وإلغاء معظمها، لأنها ببساطة غير واقعية ولا تخدم هدف رفع مستوى الدوريات المحلية.

في تقديري، المعايير الحالية صيغت بطريقة «حسابية جافة» لا تنظر إلى القيمة الفنية ولا الشعبية ولا الإرث التاريخي للأندية ولا مسيرة الدوريات المحلية في تلك الدول، ولهذا تبدو نتائجها بعيدة عن المنطق الكروي.

تخيلوا أن نظام النخبة يسمح في غرب آسيا بمشاركة 12 فريقاً فقط، ثم يتأهل أحدها إلى دور الـ16 بعد فوز يتيم وتعادلات وخسائر متكررة، كما حصل مع باختاكور الأوزبكي.

هل هذه الصورة تعكس «حقيقة النخبة»؟ لو كان هناك عدل في توزيع المقاعد، لرفع الاتحاد الآسيوي العدد إلى 36 نادياً بواقع 18 للشرق ومثلها للغرب، بما يضمن مشاركة أوسع وأعدل وأكثر واقعية.

الفارق كبير حين يحاول البعض تشبيه دوري النخبة الآسيوي بنظام دوري الأبطال الأوروبي.

أوروبا قارة مكتملة البنية، غنية بالتجارب، فيما آسيا قارة ناشئة كروياً تعاني من تفاوتات هائلة. لا يمكن القياس بين الدوري الأوروبي، الذي جاء كمسابقة ثانية تخدم فرقاً متوسطة، ودوري أبطال آسيا 2 الذي زُجت فيه أندية عملاقة بحجم النصر السعودي أو القادسية الكويتي أو بوهانغ ستيلرز الكوري أو غامبا أوساكا أو حتى الاستقلال الإيراني.

في تقديري الشخصي، استمرار النظام الحالي مجرد هدر لوقت الأندية القوية وإفراغ للبطولة من معناها التنافسي.

على الاتحاد الآسيوي أن يتحرك سريعاً، ويعيد النظر في معاييره، ويرفع مستوى المشاركة لتوازي حقيقة كرة القدم في غرب القارة وشرقها. غير ذلك، ستبقى البطولة «واجهة مشوهة» لا تمثل قوة اللعبة الآسيوية، بل تكرّس تبايناتها وتضعف جماهيريتها.



المزيد من مقالات الرأي