د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

غُثاء «الفريق» وتكاسله

استمع إلى المقالة

يقول رئيس شركة «أبل» الراحل ستيف جوبز: «ليس لدينا أي لجنة في شركتنا، حيث نعمل وكأننا أكبر شركة ناشئة في العالم». وذلك في إشارة إلى أن «اجتماع الإدارة العليا لمرة واحدة أسبوعياً ولمدة ثلاث ساعات كافٍ» حسب رأيه لمعرفة مجريات الأمور، وإيصال الرؤى والتوجيهات، وأنهم يتركون القرار للمختصين.

في «أمازون» وُلدت فكرة ألا يزيد عدد أعضاء فريق العمل عن عدد يشبعه «بيتزتين» فقط، وعرف بعدها بمبدأ «فريق البيتزتين» (Two - Pizza - Team). شريطة أن يكون الفريق مستقلاً، ويعمل بطريقة ذاتية لينجز بشكل أسرع، وأكفأ. وقد منحت «تويوتا» في مطلع الثمانينات فريق المهندسين الفنيين صلاحية واستقلالية كاملة لإطلاق سيارة فارهة تنافس «مرسيدس» و«بي إم دبليو»، فظهرت في عام 1989 أعجوبة «لكزس».

ما يستند عليه العلماء، أن كثرة الأعضاء في الفريق تفسده، كما تفسد كثرة الملح الطعام. وهو مفهوم أكده «تأثير رينغلمان» حينما اكتشف أن قوة الفرد تنخفض بوضوح كلما زاد عدد المشاركين. مثل من يحاولون إخراج السيارة العالقة في الرمال فيتراخى الناس كلما زاد عدد من يدفعونها. فتزيد وطأة الضغط على كاهل بضعة أشخاص.

وهذا ما أكدته تجربة رينغلمان الكلاسيكية لشد الحبل من أن الفرد الواحد قد سحب نحو 85 كيلوغراماً، في حين تراجع متوسط قوة الفرد في مجموعة من سبعة أفراد إلى 65 كيلوغراماً، ثم انخفض أكثر في فريق من أربعة عشر فرداً إلى 61 كيلوغراماً. وذلك يبرهن أن تضاعف الأعضاء لا يعني تضاعف الجهد، بل العكس تماماً. تلك الحادثة التي جاءتنا من أبحاث المزارع صارت صالحة في أروقة العمل والحياة، وانتشر بسببها مفهوم «التكاسل الجماعي».

وتبين علمياً أن قلة أعضاء فريق العمل ترفع نسبة «الرضا» لدى أعضائه، وشعورهم بأنهم «مسؤولون» عن إنجاز المهام على أكمل وجه. واللافت أن الأسباب العلمية لتكاسل الفريق تعود إلى «غياب التنسيق» بين الأفراد، و«غياب الدافع»، وذلك عندما ينتاب الأفراد شعور بأن أداء أقرانهم يكفي لإنجاز المهمة، فينخفض عطاؤهم.

ربما تكون كثرة أعضاء الفريق وتنوعهم أمراً صحياً، لكن بعض المشاركين لكثرتهم يصبحون كغثاء السيل... يطفو بلا قيمة.