لم تكن مشاركة الهلال في كأس العالم للأندية مجرد حضور، بل كانت ملحمة كروية وضعت الكرة السعودية على الخريطة العالمية بكل جدارة، بلغ صداها أن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف يوجّه تهنئة خاصة لنظيره السعودي؛ الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، خلال اجتماعهما، نهار الجمعة، بمناسبة فوز الهلال المثير على مانشستر سيتي في مباراة ستبقى في ذاكرة كرة القدم العالمية.
انتصار الهلال على بطل إنجلترا وأوروبا والعالم هزّ هيبة وصورة البريميرليغ، وكسر الغرور الإنجليزي بفوز قوي غير مسبوق سعودياً وعربياً وآسيوياً، واستحق إشادات واسعة من وسائل الإعلام الدولية. الصحف البريطانية نفسها كتبت عن «زلزال سعودي» مقبل، هدفه تغيير المشهد العالمي وترتيب جديد للكبار داخل اللعبة.
الهلال وصل الولايات المتحدة ليحقق أبعد من المشاركات الشرفية، جاء ليكون ندّاً قويّاً أمام عمالقة اللعبة.
لم تضعه قرعة المونديال ومساراتها الإقصائية أمام أندية متواضعة، بل واجه كبير أوروبا ريال مدريد في استهلال مشاركته العالمية، ثم تجاوز المجموعات مصطدماً بأصعب الأندية في العالم ممثلاً بالسيتي، ليتجاوزه وسط حالة إنهاك وإرهاق بلغت 11 شهراً من الركض المتتالي دون توقف.
رغم ذلك، خرجت بعض الأصوات في الإعلام لتصف بسطحية وسذاجة لا حدّ لها خروج الهلال من نصف النهائي بأنه «مؤلم»، متناسية أن الهلال اجتاز ريال مدريد بتعادل مثير، وأسقط السيتي في ملحمة كروية، وخاض مواجهة فلومينينسي بعد إرهاق وتعب وغياب لأفضل لاعبيه.
فلومينينسي ليس نادياً سهلاً كما تصوروه، هو بطل «كوبا ليبرتادوريس» 2023، ووصيفها في نسخة سابقة، وبطل الدوري البرازيلي 4 مرات. هذا الفريق تعادل مع بوروسيا دورتموند، وصيف الدوري الألماني، وأطاح بإنتر ميلان الإيطالي وصيف دوري أبطال أوروبا 2025 بهدفين نظيفين.
مرحلة الهلال في كأس العالم للأندية كانت عظيمة، لأنها أول مشاركة بعد عامين من انطلاق المشروع السعودي الرياضي الضخم.
هذه المشاركة جاءت والهلال يعيش ظروفاً صعبة، بدأت بمدرب جديد تم تعيينه قبل أيام قليلة من انطلاق المونديال، فيما لم يعزز صفوفه بأي صفقة كما فعلت أندية عملاقة مثل الريال والسيتي وتشيلسي والعديد من الأندية المشاركة الأخرى.
هذه المشاركة جاءت بعد موسم متعب مليء بالانكسارات الداخلية والهجوم القاسي على إدارة النادي واللاعبين وأجهزة الفريق الفنية والإدارية والطبية.
الهلال قدّم دروساً كبيرة في المونديال، لكن الحقيقة أن ما يصدر من بعض الإعلام من هجوم ليس صادماً بالنسبة للعقلاء، لأنهم يعرفون سطحية المهاجمين ورغبتهم في الركض وراء الاحتفال الجماهيري المضاد للنادي الأزرق.
الإعلام مسؤولية، يتطلب موضوعية وفهماً عميقاً لما يعنيه أن تُقصي بطل أوروبا، وتكاد تصل لنصف نهائي في بطولة هي الأعلى على مستوى الأندية في العالم.
نعم، من حقّ بعض الجماهير المناوئة بفعل تشجيعها لأنديتها الكبيرة أن تحزن وأن تقف في طريق معاكس للمشاركة الهلالية بهدف المناكفة والميول، فالعاطفة جزء من عشق الكرة. لكن أن ينحدر إعلاميون، من يفترض بهم أن يشرحوا ويحللوا ويضعوا الأمور في نصابها الصحيح، إلى خطاب سطحي يختزل إنجاز الهلال في لحظة خروج، فهذا عيب مهني.
الهلال قدّم بطولة تاريخية أحرج فيها أوروبا وكسر احتكارها للهيمنة، وعلى الإعلام أن يرتقي لمستوى هذا الإنجاز، بدل أن يلوكه بسطحية، فإنصاف الهلال اليوم منطق، وانتقاده بجهل ظلم له ولمشروع كرة القدم السعودية.
